بين "ستارباكس" و"ستارمان"!

 

 

مُحمَّد بن رضا اللواتي

mohammed@alroya.net

ها هو العدوان الغاشم على المدنيين العُزل من أهل غزة قد بدأ مُجددا وبوحشية، بإدارة الولايات المتحدة، أمام مرأى ومسمع وتأييد الدول التي تُعرف بالكُبرى، وبمعزل عن إرادة شعوبها التي أيقظتها هذه الجرائم من السُبات الذي كانت الأدوات الإعلامية قد أغرقتهم فيه لسنوات، لتقدم أبشع صورة لحضارة زائفة مستعدة للولوغ في دماء الأبرياء عندما يرتبط الأمر بمصالحها ولأجل تحقيق أهدافها، وإن كانت تتمثل في نهب الأراضي وهدم المنازل.

ولكن ما الذي نستطيع نحن القيام به غير الخروج في تظاهرات سلمية لتأييد إخواننا في غزة، ولشجب ما يُلقى عليهم من أطنان وأطنان من المتفجرات المحرمة دوليا؟

إنَّها إرادة المقاطعة بصفتها شكلًا من أشكال التضامن مع الشعب السليب، وقهرًا للعلامات التجارية الداعمة للكيان المحتل. إنَّنا أمام معركة طويلة تستوعب الأعمار كلها تجاه عدو غاشم لا يوجد حل لإيقافه عن جرائمه إلا باجتثاثه تماما، وإلى أنْ تحين هذه اللحظة المقدسة، لا ينبغي أن تتراخى إرادتنا، فننسى كل أولئك الأطفال الأبرياء الذين سحقتهم قنابل أمريكا، وأحالت أمهاتهم إلى أشلاء، لأجل الاستمتاع ببطاطس أو وجبة أو جرعة لمصنع ومطعم ومقهى وماركة تنتمي إلى فئة الداعمين لهذا القتل الذي قل نظيره.

المؤسف له أن الفرص لإنتاج المنتجات البديلة عديدة، إلا أنها لا تُستثمر بالشكل الصحيح، فما الذي يمنع تحديدا أن تكون على شاطئ الحب قهوة (ستارمان: مان من عُمان) عمانية 100%، ومثيلاتها لتغطي الفراغ الحاصل من المقاطعة، وتدعم استمرار الناس في هذا المنحى الجهادي المهم حتى نسيان هذه الماركات تماما، وجعلها تغلق أبوابها في بلادنا؟

كنتُ أستمع إلى مقطع للزميل رئيس تحرير جريدة "الرؤية" الغراء، وهو يتحدث عن أهمية وجود ماركات عمانية بديلة، ويربط هذا الأمر بمنحاهُ الجهادي بخلق فرص عمل للباحثين، وكأنه يشير إليهم بالتفكير الجاد والدخول في هذه المنافسة المقدسة، وهو مقطع أغلب الظن أن عُمان من أقصاها إلى أقصاها قد شاهدته بتأييد كبير، وأتساءل كما يتساءل غيري: هل من محفزات حقيقية على المستوى الوطني في سلوك هذا الطريق، تتمثل في تسهيلات ودعم حقيقي متاح فعلا؟

طالما كان يلفت نظري عندما كنت أمر في تقاطع الخوير المزدحم قرب دوار دوحة الأدب، مقهى عماني على هيئة مقصف، وقد استغل الفضاء بأن وضع عدة طاولات للجلوس "برجر محسن"، فأجد قلة قليلة جدا من الناس، ولكن الأمر انقلب عند مروري الأخير بالقرب منه، إذ لم أجد طاولة واحدة خالية من الجالسين!

ولكي أتأكد تماما مما يجول في خاطري، ركنت السيارة في موقف قريب، وسألت بعض الجالسين ما إذا كان الطعام شهيا، فأجابوا (وكان أغلبهم من العرب الوافدين) بالإيجاب، وأعقبوا بأنه أفضل بكثير من كنتاكي الأمريكي الداعم للكيان. سألت طفلة (مصرية) بلهجتها ما إذا أعجبها الأكل هُنا فرددت تقول بأنها باتت ترى لوحات الشركات والمطاعم الداعمة للكيان الوحشي مُلطَّخة بالدماء كلما نظرت إليها؛ لذا فهي وعائلتها وآخرون من أصحابها قد أعدوا قوائم بالماركات البديلة.

أرى أنَّ دعما استثنائيا ينبغي توفيره؛ نظرا للظرف الاستثنائي الذي تمر به الأمة الإسلامية، فالفرص باتت أكبر؛ فلقد غيرت أشلاء الأطفال الثقافات بلا مقدمات، وصرخات الأمهات الوالهات شحذت الإرادات بلا دورات وورش تدريب، ومناظر جُثث ترقد تحت الأنقاض قد فرضت على أحرار الأمة توجهات جديدة، وبقيت حزمة من التسهيلات غير نمطية تفرض نفسها بقوة لتتوافر لينخرط الشباب في منافسة الماركات التي لطخها العار، لتركع وتغادر.