الاقتصاد الدبلوماسي

 

 

عمّار الغزالي

 

بينما يروي لسانُ الواقع تفاصيل أزمات مُتشابكة، يبقى صوت الأزمة الاقتصادية هو الأعلى، وتبقى آلية "الخروج الآمن" من قبضة تداعياتها هي الشغل الشاغل.. فعلى مدى العامين الماضيين لم تُحرز الحلول والتوجُّهات الاقتصادية تقدُّما يُوقف مدّ سلبياتها؛ وبالذات مع الأوضاع العالمية غير المستقرة شكّلت علاقة مُعقّدة بين "ما هو سياسي" و"ما هو اقتصادي".. وبدا من الضروري أن يشرع الفكرُ الإنمائي أبوابه للانعتاق من أسر الأحادية، والتوجُّه لتكوين مزيد من الشراكات الدولية، وبناء تحالفات حقيقية، كمصدّات أمان ومحفزات نهوض، تُعلي من سقف الطموح، وتعزّز فرص التنافس، وتستثمر الخبرات والطاقات لإنجاز المشروعات؛ فتزيد الرساميل والدخول، وتُذهب بشمس الأزمة إلى الأفول.

وهي استنتاجات لمُعطيات مُعادلة جديدة، العامل الأهم فيها: قدرة السياسة الخارجية على تمهيد الطريق أمام اندماجات اقتصادية تضبط إيقاع الشراكة وفق علاقات ثُنائية أو مُتعددة الأطراف. فتاريخ الدورات الاقتصادية المتتالية يحفل بالعديد من المُتغيرات التي أثّرت في هيكلية مفهوم الدبلوماسية، فوظّفت الكثير من بنودها لتنشيط الاقتصاد الذي باتت قضاياه جزءا أصيلا منها؛ يحدو إلى تكوين شراكات استراتيجية اقتصادية بعيدة المدى.

وكجزء من المنظومة العالمية، وبينما تلجُ السلطنة اليوم بوابة "التنويع الاقتصادي"، مُمسكة في يُمناها أولى لبنات المستقبل ممثلة بمخرجات "تنفيذ" الطامحة لتوليد إنفاق رأسمالي بقيمة 16.3 مليار ريال؛ فإنها كغيرها تحتاج "تكوين شراكات دولية" فعالة، خصوصا وأنّ البرنامج يضع نسبة 86% من مبادراته على عاتق القطاع الخاص، وهي نسبة سبقت الإشارة إلى أنها "غير ممكنة" إلا إذا صحبها إجراءات وسياسات استثنائية نحو تمكين الانفتاح الاقتصادي، وتكوين تحالفات اقتصادية دولية تنهض بحجم الاستثمار الأجنبي الذي بات الأقل على مستوى دول المنطقة.

وكضمانة لتكاملية الحلول، فلابد من شراكات جديدة تضمن إنجازا سريعا للمشروعات، فبرنامج كـ"تنفيذ" أو غيره من المبادرات والإستراتيجيات المشابهة، وفي ظل الضغوطات الحالية، ستبقى في حاجة لمصادر تمويل مُتعددة، سواء المحلي منها أو الخارجي. وكما كانت التجربة الماليزية مرآة لاقتصادنا الوطني ونحن نستحضر محفّزات التنويع، فإنّ كلّ مبادرة أفصحت عنها مرحلة "المختبرات"، لابد أن تتوافر لها الظروف الملائمة والشركاء الفاعلين القادرين على صياغة خطط البناء التأسيسي لها إنجازا للمنافع المتوقعة.

وإن كان العاملُ الأقوى في مُعادلة الشراكة هو العلاقات الدبلوماسية المتزنة، فإن بلادنا التي أصبحت نموذجا -ولله الحمد- في نجاعة سياستها الخارجية، ووقوفها على مسافة واحدة من الجميع؛ ومكانتها التي تتعزّز كلّ يوم، تتهيأ أمامها الظروف التي تضمن لها استفادة أكبر لتحقيق شراكات تتعمق بناء عليها المصالح، وتوجد أرضية قوية للحراك المتنامي في مجالنا الاقتصادي الداخلي، وتفتح أمام المستثمرين أسواقا جديدة، وتفتح كذلك أبوابنا أمام مزيد من الاستثمارات الأجنبية التي تنشّط اقتصادنا الوطني القابل للاندماج واستيعاب دماء جديدة تزيد فاعليته.

إنّها باختصار استثمار لنجاحات دبلوماسية من أجل نهضة اقتصادية متكاملة، يُروّج فيها لمُقوّمات السلطنة، وترتفع فيها سقوف المنافع الوطنية، عبر علاقات وشراكات تدعم وترصُد وتحلّل وتستكشف وتُعالج مكامن الخلل والقوة؛ فتوفّر قاعدة بيانات تجارية ودراسات وتقارير عن الدولة المستقبلة، وترصد فرص الاستثمارات المتبادلة، وتفتح قنوات حوار تسهّل التواصل بين المستثمرين، وتطوّر فاعلية السوق.

وهو طرح يأتي كمقاربة جديدة للرؤى المستقبلية؛ إذ لسنا اليوم مُطالبين فقط بتحقيق اندماج اقتصادي، بل بالمزيد من العمل لبناء الصرح العُماني الكبير، وجعله قوة اقتصادية إقليمية، لمواجهة المنافسة الدولية، في ظل بروز فاعلين جُدد، ونُذر بتغيّرات قريبة في موازين القوى سياسيّا واقتصاديّا؛ لذا تنعقد الآمال على حراك دبلوماسي واسع تتهيّأ به الظروف؛ لوضع عُمان على خارطة الجذب الاستثماري، لاجتذاب الفوائض المالية. وتشكيل فرق ولجان مُتخصّصة للترويج الاقتصادي القائم على منهجيات واضحة. كما تنعقد الآمال على مراجعات دورية للتشريعات والقوانين المنظّمة للاستثمار الأجنبي بشكل دوري يُواكب التطلعات، وننتظر فاعلية أكبر لدور وزارة التجارة والصناعة، وغرفة تجارة وصناعة عُمان؛ والهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات؛ لتوفير بيئة مواتية لإنجاح التجربة، وبما يدعم مستوى تنافسيتنا، ويعظم فرصنا الإنمائية، ويسرّع عجلة المشروعات بنسب أعلى؛ استرشادا بنطق سام لحضرة صاحب الجلالة بأنّ "عُمان جزء من هذا العالم، تتفاعل مع ما يدور حولها من أحداث بكل إيجابية ووضوح، وتكرّس كل الإمكانات للمشاركة الموضوعية والفعالة للتعاون على كافة المستويات".

ammaralghazali@hotmail.com