صناعة التحديات

 

سيف بن سالم المعمري

 

الإنجازات التي تحققها أمة من الأمم أو شعبٌ من الشعوب تُعد ثمرة من ثمار العزيمة وقوة الإرادة والعمل المُخلص وتجاوز التحديات التي يضعها الناجحون دائماً جسرًا للوصول إلى مراتب العلى، فسلم المجد لا يسلكه إلا الماجدون، وهو محفوف بالمخاطر وغير مفروش بالورود.

ولقد شهد عقد السبعينيات من القرن الماضي ولادة نهضة حضارية جديدة في عُمان، وبعزيمة وإرادة ورؤية ثاقبة من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم-حفظه الله ورعاه- إعادة عُمان ماضيها التليد ومجدها المشرق ومستقبلها الزاهر والذي يعد إنجازا حضاريا نوعيا تحقق في فترة زمنية قياسية، ولم يكن الطريق لبلوغ الهدف يسيراً، بل كان مليئاً بالتحديات.

ولقد أولت السلطنة الخطط التنموية اهتمامها منذ العقد الأول من مسيرة البناء فبدأت الخطة الخمسية الأولى(1980-1976) وكانت الطريق الآمن للبنى الأساسية في جميع ربوع البلاد وتلتها الخطط المتتالية وصولاً إلى الخطة الخمسية التاسعة(2020-2016) والتي شملت برامجها وإنجازاتها جميع مجالات التنمية.

إن ما تحقق لعُمان خلال الأربعة عقود ونصف العقد الماضية محل فخر واعتزاز ليس للعُمانيين فحسب، بل للتجربة الإنسانية عمومًا، ولقد تهيأ لعُمان كل أسباب النجاح التي كانت تطلبها عملية البناء الشاملة وفي قمة هرمها القيادة الحكيمة لجلالته وبُعد نظره وتكاتف وتعاضد العُمانيين وتفانيهم وإخلاصهم وقد تجاوزنا العديد من التحديات.

إنَّ باستطاعتنا أن ننهض بعُماننا إلى أعلى المراتب لو استطعنا  أن نتخلى عن صناعة التحديات، فرغم أننا نملك كل الإمكانيات البشرية والطبيعية إلا أننا لم نلتفت إلى استثمارها بحجم توفرها، فنحن نملك أكبر ثروة نستطيع من خلالها ريادة العالم وهو رأس المال البشري بالإضافة إلى الموارد المعدنية والثروات الطبيعية والموقع الجغرافي، ولو عملنا بإرادة وعزيمة قوية لاستطعنا تجاوز التحديات التي وضعناها شماعة لإخفاقاتنا، ولنا في اليابان وماليزيا وسنغافورة نماذج عملية على المعنى الحقيقي لتجاوز التحديات.

وبرغم أننا نملك أصحاب الكفاءات والقدرات المتعددة إلا أننا لم نستثمرها كما ينبغي فبدل أن يكون مورداً للنجاح جعلنا منه تحديًا، ولم نستطع استيعابهم في سوق العمل المحلي، ونحن ننفق مليارات الريالات على التَّعليم والصحة، ولكن لم نستطع أن نكيف البرامج التعليمية لتتناغم مُخرجاتها مع سوق العمل ولنستغني عن العمالة الوافدة بمُختلف مواقعهم الوظيفية، كما لم نستطع أن نُخرِّج كفاءات بشرية تستطيع أن تأخذ مواقعها في مؤسساتنا الصحية، ويستطيع العُماني أن يثق في أقرانه العُمانيين في تلك المؤسسات، ونقلل من السفر للعلاج بالخارج.

 ونحن نملك موارد نفطية ومعدنية متعددة قد لا توجد في كثير من الدول المتقدمة في العالم؛ وللأسف لم تساهم تلك الموارد إلا في اتكاليتنا والاعتماد المطلق عليها في دخلنا القومي رغم يقيننا بأنّها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية وعدم ديمومتها وأنها ثروة ناضبة، كما لم نستطع استثمار الطاقة الشمسية بما يعود علينا بالنفع ويقلل من استنزافنا للموارد النفطية للطاقة، ونحن نملك النفط والغاز والرخام والذهب، بل تعد بلادنا متحفاً جيولوجيا فريدا في العالم لاحتوائها على معظم المعادن في الطبيعة، ولكن لا تزال مساهمتها في الناتج المحلي ضئيلة جدًا عدا النفط، ونحن نملك سواحل تزيد عن 3165 كيلومترا، ولكن تعاني أسواقنا من شح الأسماك والمأكولات البحرية وأسعارها تجاوزت الحد المعقول، ولم نستطع حتى الآن أن نُعيد لموانئنا البحرية تاريخها التجاري حيث كانت تمثل حلقة الوصل في التجارة بين شرق العالم وغربه، وشهد التاريخ البحري العُماني رواجًا عالمياً في المحيطين الهندي والأطلسي، كما لم نستفد من سواحلنا المفتوحة حتى الآن في إقامة محطات كافية لتحلية المياه لحل مشاكل نقص المياه الجوفية للشرب وللزراعة، ولا نزال نضع تحدي المياه عاملاً رئيسياً لعدم قدرتنا على تحقيق الأمن الغذائي.

إنَّ كل تلك الموارد التي نمتلكها وغيرها يمكن أن نستثمرها في إقامة صناعات ثقيلة ومتوسطة وخفيفة، حيث لدينا العديد من المناطق الصناعية بمسمياتها، ولكن في الواقع معظم تلك الصناعات مساهمتها في الدخل القومي وفي استيعاب الباحثين عن عمل ضيئلة جداً، ونحن من أراد لها ذلك لأننا وضعنا لها تحديات لكي لا تنجح.

إنّ أبرز الأدوات التي نستطيع أن نتجاوز فيها التحديات إلى النجاحات هي قناعتنا بأن سعادتنا ورقي وطننا بأيدينا، ولأننا في دولة المؤسسات والقانون فنحتاج إلى أن نخطط ونعمل بإخلاص ونقيم، كما نحتاج أن نربي أجيالنا على حب العمل بمختلف مجالاته من نعومة أظفارهم، ونحتاج أن نحتوي كفاءاتنا وأصحاب المواهب والمبادرات والهمم ونهيئ لهم السبل لتوظيف مهاراتهم لخدمة وطنهم.

إن تحدياتنا الحقيقية تتمثل في محاباتنا ومجاملاتنا وولاءتنا الضيقة لتحقيق مصالحنا الشخصية على حساب المصلحة العليا للوطن، وللأسف استفحلت تلك الثقافة وبدأت الأجيال في تناقلها جيلا عن جيل، ولو وضعنا الأمور في نصابها لما كبلنا أنفسنا بتلك التحديات، والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى سنتفنن في صناعة التحديات؟!   

      فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت ،،،

Saif5900@gmail.com