من أي أبواب الثناء سندخل؟!

د. عبد الله باحجاج

لن أخفي سرًا إذا ما قلت إنّ قلمي يقف عاجزًا، وحائرًا، في التعبير عن وقفة الوطن مع مرض الفنان سالم بن علي سعيد، ففعلا من أي أبواب الثناء سندخل؟ وأي من كلمات الشكر والتقدير ستليق بمقامه، بل نُريد أكثر، كنَّا نتمنى لو نجيد نظم أبيات الشعر، لعلنا من خلالها نُعبر، وتغنينا عن حرج التقصير، فالوقفة أعظم، كانت كسحابة معطاءة سقت الأرض فاخضرت الأمل بعد ما كان مائلاً للذوبان باللون الأصفر، وبنت جسراً من التفاؤل فوق وادي اليأس بحفره الأعمق، ففعلا من أي أبواب الثناء والشكر .. سندخل؟

جفَّ حبري في قلمي فجأة، ولم أجد سوى باب واحد، وهو بوابة القلب رسالة أبعثها مليئة بالتّقدير والاحترام لديوان البلاط السلطاني لاستجابته المُباشرة لعلاج بوهشام على نفقة عاهل البلاد - حفظه الله ورعاه-، وتحية من القلب إلى القلب للشخصيات التي توافدت للاطمئنان على مُتيم الوطن، وهو يرقد في المستشفى السلطاني، والتَّحية نفسها لمُحبي هذا الفنان واتصالاتهم من مُختلف ولايات البلاد، والتي خففت عنه الآلام، ورفعت عنده منسوب الأمل، وتحية تقدير وحب لكل الشخصيات العامة التي أبدت استعدادها لعلاجه في الخارج، والنتيجة؟ ما قاله بوهشام صراحة قبل مُغادرته للعلاج، سنعود بمشيئة الله، وسيكون لقاؤنا أكبر وأوسع، وهذا التحول النفسي هو ما كان يحتاج له بوهشام، وهو المُؤثر في العلاج في مثل مرضه، من هنا وجب الشكر لله سبحانه وتعالى أولاً ومن ثمَّ هذا الوطن على وقفته مع ابن من أبنائه، كوفاء له مقابل وفائه، وهكذا ينبغي أن تكون العلاقة بين الوطن وأبنائه الأوفياء، فالوطن ليس مكاناً مجرداً، ولا كلمة تُقال، وإنما هو منظومة ولاء وانتماء مُتبادلة، وعندما يكون هناك رجال في موقع المسؤولية يعززون المنظومة، ويعلون من أركانها، ويكسبون المواطن للموطن، سيكون الوطن بمواطنيه في أمن وأمان، فشكرا من القلب إلى القلب للوطن ولرجالاته الأوفياء.

ومما تجدر الإشارة إليه، أنَّ بوهشام يرقد الآن في إحدى كبريات مستشفيات تايلاند المُتخصصة بنفسيات مرتفعة بعد وصوله يوم أمس السبت، وعلى الفور تم إجراء الضروريات اللازمة له، ومن المُقرر أن تجرى له غدا الإثنين الأشعة النووية لكشف نوعية المرض، ومن ثمّ تحديد العلاج له، وقد علمنا بأن شاعرنا المبدع طارش قطن يرقد في المستشفى نفسه، وهو يتألم بألم مُماثل للفنان سالم علي، حيث يُعاني من مرض سرطان العظام، وقد قام أمس بزيارة بوهشام، وقد تواصلنا معه هاتفيًا، وأوضح لنا امتنانه للوقفة الوطنية، وانعكاساتها على حالة بوهشام النفسية، موضحًا كذلك مدى اعتزاز بوهشام بهذه الوقفة، وشعوره المتعاظم بالتفاف المسؤولين والمواطنين حوله، كما ساهم شاعرنا بإضفاء لمسات نوعية على منظومة بوهشام النفسية، وذلك عندما تبادل معه مواقف وطرائف بينهما سابقة، فتعالت الابتسامات، وكادت تنسيهما آلام المرض، وهذه وقفة تحسب لصالح الشاعر قطن، فرغم ما يُعانيه من الآلام نتيجة الجرعات الكيماوية التي يخضع لها منذ سبعة أشهر إلا أنه تغلب عليها، لكي يُساهم بدوره في الحفاظ على معنويات صديقه، لأنّه يعلم – كما أوضح لنا – أنها الأساس في تفعيل مقاومة الجسد، وطارش قطن.. شاعر غنائي عُماني، وجدت قصائده استحسان نخبة من الفنانين العرب، واهتم به الموسيقار الكويتي يوسف المهنا، وقد قدَّم طارش مع الراحلة وردة الجزائرية وعبادي الجوهر الأغنية «زمن ماهو زماني»، ليواصل إبداعاته في الشعر الغنائي، ومنها أغنية «فاتنات اللواحظ» مع عبد الكريم عبد القادر، و"شقائق النعمان» مع محمد عبده، وأغنية «خاتم سليمان» مع عبد المجيد عبد الله، وأغنية «حارس» مع فهد الكبيسي، والتي أعاد تسجليها وغنائها إبراهيم حكمي، كما غنى له عبد الله الرويشد أغنية «واويلي» ضمن ألبومه الأخير «ليلة عُمر مع طلال». ولطارش ديوان شعري ربما يكون قد رأى النور، وله قصائد وطنية رائعة، مثل،، أمة عظيمة،، مشترك معه الشاعر حسن المعشني، ويطلق عليه لقب سفير الكلمة العُمانية على غرار سفير الأغنية العمانية الفنان سالم بن علي سعيد، وقد استحق طارش هذا اللقب رغم حداثة تاريخه بعد أن تمكَّن من عبور محيطه الخليجي والعربي، واختراق المنافسة الإقليمية، كما أشرنا سابقاً، نصنفه من المظلومين إعلامياً وصحفيًا داخل وطنه، لكن الصحافة والإعلام الخليجيين ينصفانه دائمًا، وأثناء بحثنا عن سيرته، وجدنا له الكثير من اللقاءات والإشادات بعمق وغزارة شاعريته .

ويالها من مفارقة غريبة، سفير الأغنية العُمانية الفنان سالم بن علي سعيد، وسفير الكلمة العمانية الشاعر طارش قطن، يرقدان الآن في مستشفى واحد، وهو مستشفى،، بامر ونجراد،، الأمريكي في تايلاند، ويعانيان من مرض مُشترك، وهو السرطان،، ويتبادلان العواطف والمشاعر المشتركة، فمن يواسي من؟ فبو هشام في بداية مشواره مع العلاج، وطارش قطن قد قطع شبعة أشهر في العلاج، وحالته الصحية الآن مطمئنة جدًا، لكن له معاناة جديدة رغم معاناته المرضية والعلاجية – سنخصص لها مقالا مقبلا بعد موافقته – فمن يواسي من؟ ربما تكون مواساة السفيرين الثنائية في صالحهما مكانًا وزمانا، لدواعي حالتهما النفسية، ومن البوابة القلبية كذلك، نتوجه إلى الله عزّ وجل بهذا الدعاء لهما، اللهمّ إنّي أسألك من عظيم لطفك، وكرمك، وسترك الجميل، أن تشفيهما وتمدّهما بالصّحة والعافية، وتسخر لهما عبادك في إزالة الهم عنهما، وقضاء حوائجهما، وأن ترجعهما للوطن ولأسرهما، وقد محيت الذنوب عنهما، وألبستهما تاج الصحة والعافية، ولكل مرضى المسلمين، والإنسانية جمعاء، اللهم آمين.