بعض كتاب الخليج وتهديدات ترامب لإيران

 

 

صالح البلوشي

Omansur5@gmail.com

لم أتفاجأ كثيرا بالتغريدة التي كتبها الإعلامي السعودي تركي الدخيل على موقع "تويتر"، وطالب فيها متابعيه بتوجيه كلمة "لشكر ترامب على مواجهته للإرهاب الإيراني"، بعد تجربتها الصاروخية الأخيرة؛ فبعد التهديدات التي وجَّهها الرئيس الأمريكي ترامب لإيران لم يتوقف بعض الكُتَّاب الخليجيين من كيل المدائح له وكأنه البطل القومي الذي جاء من أجل التصدي لـ"المشروع الإيراني" في المنطقة، وإعادة الأمن والسلام إلى ربوع العالم.

وقد لاحظتُ هذا الأسبوع وجودَ بعض المقالات في بعض الصحف الخليجية تتحدث بثناء بالغ عن تهديدات ترامب، وتتمنى أن تقوم الولايات المتحدة بحملة عسكرية ضد إيران، فأحدهم كتب مقالا في جريدة "اليوم" السعودية يوم الأحد الماضي بعنوان "لطف أوباما مع إيران!!" حاول فيه أن يزايد على الأمريكيين ويكون أمريكيا أكثر من الأمريكيين أنفسهم، وقال فيه إنَّ الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كان لطيفا مع الإيرانيين، وكانت إيران في عهده "تسرح وتمرح في المنطقة، بينما الإدارة الأمريكية السابقة تمسح على رأسها وتطبطب على كتفها، وتخسر نتيجة ذلك حلفاءها التقليديين". وكتبت كاتبة مقالا في جريدة "السعودية" في نفس اليوم بعنوان "رعب النهايات قادم"، قالت فيه: "لن يكون الحل بعيد المدى حتى لو كان الثمن إزاحة ملالي طهران، وتغيير النظام في إيران، كما صرح به بولتون"، بينما تحدثت كاتبة أخرى في مقال لها في صحيفة الوطن البحرينية عن "دول العالم الإسلامي السني" التي تواجه "الخطر الإيراني الشيعي"، واتهمت شريحة كبيرة من المواطنين بالولاء الخارجي، وكأنها تريد أن تكون هناك حرب طائفية كبرى في المنطقة تُفني الجميع.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لمصلحة مَنْ يَقْرَع بعض الكُتَّاب الخليجيين طبول الحرب في المنطقة؟ وهل يعتقدون فعلا أن الرئيس الأمريكي بهذه السذاجة حتى يشعل حرباً جديدةً في المنطقة من أجل خاطر عيون هؤلاء الكُتَّاب الأفاضل؟ من المؤسف جدا أنَّ هؤلاء الكُتَّاب الذين يقدمون أنفسهم في الخليج بصفة "النخبة الليبرالية التي تدعو إلى نشر قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في المجتمعات الخليجية"، تجاهلوا تماما القرار الذي أصدره ترامب بحظر سفر مواطني سبع دول إسلامية إلى الولايات المتحدة، ليس لسبب سوى أنهم رعايا لدولٍ تعاني من الحروب والويلات وأشكال الحصار الخانقة بسبب الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، والتي حوَّلت المنطقة إلى ساحة حرب من أجل مصالحها الخاصة؛ فمَن الذي دمَّر العراق واستباح أرضه، وتاريخه، وشعبه، وثقافته، وتراثه، ووحدته، وكيانه السياسي، وقواته المسلحة والأمنية، وغذَّى الفتنة الطائفية فيه؟ أليس الولايات المتحدة بغزوها الغاشم لهذا البلد في العام 2003؟ ومن قام بغزو أفغانستان واحتلال هذا البلد -الذي يعاني من الناتو والفقر والجهل والتطرف سنة 2001؟ بالتأكيد الجواب ليس أطباقاً طائرة جاءت من الفضاء كما في مسلسل "غرندايزر" الشهير، وإنما الولايات المتحدة نفسها، التي لا تزال طائراتها تقصف المدنيين في هذا البلد بحجة محاربة "طالبان". ومن دعم ثورات الفوضى والدمار في ليبيا وسوريا وأرسل إليها الإرهابيين والمجرمين وشذاذ الأفاق من شرق الأرض وغربها؟ أليس الولايات المتحدة؟ ألم تدعم الإدارة الأمريكية السابقة (اللطيفة حسب تعبير بعض كتابنا الخليجيين) -ولا تزال- الحركات المتطرفة و"المعتدلة جدًّا" التي حوَّلت سوريا الحضارة والتاريخ إلى ساحة للقتل على الهوية بحجة نشر الحرية والديمقراطية فيها. وهي نفس الحجة التي استخدمتها الولايات المتحدة لغزو العراق وأفغانستان. إذا كان بعض جهابذة كُتَّابنا في الخليج يتجاهلون عمدا ذلك، فإنَّ العالم بأجمع لا يزال يتذكر الطائرات الأمريكية وهي تقصف بغداد وكابل وطرابلس وبنغازي، ولا يزال يتذكر الجرائم الأمريكية في سجن أبو غريب والسجون الأفغانية، فهل يريد منا "الليبرالي المحب للسلام" تركي الدخيل أن نغرد لمباركة ترامب على تهديداته لإيران؟ ثم لماذا لا يدعونا الدخيل إلى التغريد أيضا حول دعوة ترامب لنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس المحتلة؟ ولماذا لا يدعونا أيضا إلى التغريد على التصريحات المسيئة التي أصدرها ترامب نفسه وليس غيره بحق دول الخليج العربية في فترة الانتخابات الرئاسية؟

إنَّ هذه المقالات وغيرها تكشف عن وجود عجز لدى كثير من كتابنا في الخليج عن تقديم أي مشروع سياسي أو ثقافي أو تنويري لمواجهة المشاريع الأخرى في المنطقة؛ سواء الإيراني أو التركي أو الأمريكي أو غيرها، وكنت أتمنى من هؤلاء الكُتَّاب أن يناقشوا رؤية أبناء الخليج إزاء التصعيد الأخير بين الولايات المتحدة وإيران حاليا؛ لأنَّ أي مواجهة عسكرية بينهما في الخليج -لا قدَّر الله- سيدفع ثمنها الجميع بدون استثناء، تماما كما دفع الجميع ثمن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، الذي لا تزال المنطقة تعاني من تداعياته حتى الآن، ولكن للأسف فإن ما يسمون بالنخب الخليجية لا يستفيدون من الدروس.