حميد السعيدي
الزواج هو مرحلة أساسية في حياة الفرد، وهو البداية الحقيقية لبناء الأسرة التي تُسهم في تكوين النواة الأساسية للمجتمع، ويُسهم الزواج -كأحد الأنظمة الاجتماعية- في بناء العلاقات الاجتماعية المتعددة بين أفراد المجتمع؛ لذا فإنَّ للزواج أهمية كبيرة في المنظومة الاجتماعية.
وبناءً على هذه الأهمية والأدوار التي تقوم بها المرأة العُمانية، فإنَّها يجب أن تكون الاختيار الأول لدى الشاب عندما يرغب في الزواج؛ لما له من أهمية اجتماعية ووطنية مُؤثرة في تنشئة الأبناء على القيم والمبادئ والعادات والتقاليد العُمانية، وتربيهم على منهج الدين الإسلامي الحنيف الذي يجب أن يكون ركنا أساسيا في التربية. ومن هذا المنطلق، فقد عَمِد المشرِّع إلى وضع الضوابط والأنظمة واللوائح التي تمنع الزواج من غير العُمانية؛ رغبةً منه في تحقيق تلك الغايات الوطنية السامية، إلا أنَّ ظاهرة زواج الشباب العُماني من غير العمانية أصبحت مشكلة اجتماعية واقتصادية ووطنية مؤثرة على المجتمع، وتُظهر الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء أنَّ هناك ارتفاعاً ملحوظا في الزواج من الخارج؛ حيث إنَّ عددَ العُمانيين المتزوجين من غير العمانيات عام 2014 بلغ 283 حالة، موزعة بين 163 وافدة، و75 خليجية، في حين بلغ في عام 2015 (40) حالة زواج، منها 10 حالات زواج من خليجية، و30 حالة زواج من وافدة، وهذا يعطي العديد من المؤشرات والقراءات التي يجب أن نتوقف عندها.
وهذا النوع من الارتباط الأسري له العديد من التأثيرات المستقبلية، والذي يُؤثِّر بدرجة كبيرة على مدى مقدرة الأجنبية على تربية أبنائها في ضوء الهوية الوطنية العُمانية، وغرس كل القيم الدينية والاجتماعية والسياسية والوطنية والثقافية فيهم، خاصة تلك التي قدمت من دول غير عربية أو بعض الدول العربية التي نختلف معهم في القيم والعادات والتقاليد والثقافات، فكيف تستطيع هذه الزوجة أن توفق بين التمسك بانتمائها لوطنها الأم، وتنشئة أبنائها على هويتهم الأصلية؟
فبالرغم من وجود الكثير من المبررات التي يصوغها البعض حول رغبته من الزواج من غير العُمانية، إلا أنَّ هذه المبررات يمكن معالجتها وتكييف الظروف لمواجهتها؛ ومنها: تكلفة الزواج بالمرأة العُمانية الأغلى مقارنة مع غير العمانية، والواقع أن هذه المبالغ التي تدفع قبل الزواج من المرأة العُمانية لا تقل عن المبلغ الذي سوف ينفقه الزوج لاحقا في حالة الزواج من المرأة غير العمانية في احتياجاتها للسفر إلى بلدها بين الفينة والأخرى، والفرق أنَّ هذا المبلغ يدفع على دفعات والسابق يدفع مرة واحدة، في حين أن الزواج من الأجنبية له العديد من التبعات والتداعيات في التركيبة الديموغرافية للسكان، والاجتماعية، والدينية، والصحية والنفسية، والوطنية؛ مما يؤثر على تماسك المجتمع ومقدرته على تحقيق الأهداف الوطنية؛ ومما يُسهم أولاً في ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع العُماني، وارتفاع حالات الطلاق خاصة عند الارتباط بالزوجة الثانية، وصعوبة تكيف المرأة الأجنبية مع طبيعة المجتمع العُماني، وإنجاب أطفال قد يعانون من مشكلات نفسية نتيجة الاختلاف بين الرجل والمرأة في عملية تربيتهم وفقا لاختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم الوطنية وثقافاتهم الاجتماعية، إلى جانب الاختلاف في عقيديتهم الدينية.
لقد كشفتْ الدراسة التي نفَّذتها وزارة التنمية الاجتماعية عام 2012 حول زواج العُمانيين من فئة الضمان الاجتماعي من جنسيات عربية أو أجنبية، أنَّ أهم الآثار المترتبة على الزواج من الخارج تتمثل في ضعف المشاركة في المناسبات والفعاليات الاجتماعية بنسبة 45%، كما كشفت صعوبة تكيف الأبناء مع زملائهم والمجتمع بنسبة 44.3%، ثم رفض الزوجات وعدم قبولهن اجتماعيا بنسبة 37%، وتأثر لغة الطفل بلغة الأم بنسبة 32%، ومشكلات اقتصادية متعلقة بكثرة السفر والحجوزات لزيارة أهل الزوجة الأجنبية، إلى جانب مشكلات تربوية ونفسية التي يعاني منها الأبناء أيضًا.
كما اكشفتْ إحصائيات المركز الوطني للإحصاء ارتفاع ظاهرة الطلاق من غير العُمانية والتي بلغت في عام 2014 (73) حالة طلاق من وافدة، و39 حالة طلاق من خليجية، وفي العام 2015 تم تسجيل 97 حالة طلاق من وافدة، و41 حالة طلاق من خليجية، وهي أرقام لافتة للنظر عندما نتحدث عن مجتمع عدد سكانه لا يتجاوز المليوني نسمة، وهذه الإحصائيات تؤكد أن من يتَّخذ قرار الزواج من الأجنبية عليه أن يفكر في التبعات اللاحقة في حالة الطلاق، وهي أمر قد يحدث في العلاقات الأسرية، ماذا سيحدث للأبناء؟ ما هي الجنسية التي سوف يحملها الأبناء؟ ومن سيحصل على حق الحضانة؟ وكيف سيحصل الطرف الآخر على حقه من الرعاية وهم يعيشون في بلدين؟ وهناك الكثير من التساؤلات على الفرد أن يفكر فيها جيداً في حالة التفكير في الزواج من غير العُمانية، خاصة وأن هناك الكثير من الحالات الأسرية التي تعاني من مشكلات متعددة نشاهدها في مجتمعنا نتيجة الطلاق من الزوجة غير العُمانية.
إنَّ المجتمعات التي تُبنى وفقا لأسس متينة وقوية هي الأقدر على الحفاظ على هويتها الوطنية والتمسك بثقافتها وقوة انتماءها الوطني، وهي الركائز الأساسية التي يحتاجها المجتمع وتتحمل مسؤوليتها الأسرة في غرس كل هذه المتطلبات في أبنائها، وإذا فقد هذا الدور فإن التعبات قد تكون كبيرة على الوطن مستقبلاً، فالقوانين التي وضعها المشرع تأتي أهميتها في تحقيق المصلحة الوطنية بعيداً عن المصالح الشخصية.
Hm.alsaidi2@gmail.com