خلفان الطوقي
التخت العربي يتكوَّن من عدد من الآلات الموسيقية، والأوركسترا العالمية تتكوَّن من عدد أكبر وأعقد من الآلات والمعدات، وبدون وجود كل آلة مهما كانت صغيرة أو بسيطة لن يستقيم اللحن، وسيكون الصوت نشازا وسيُلاحظه الجمهور. وكما هو معروف فإنَّ تداخل هذه الآلات يكون في لحظات دقيقة ليكوِّن تمازجا يطرب الأذان، وينسجم ويتوافق مع أداء الفنان؛ وبذلك تنصهر وتتمازج كل هذه العناصر لتكوِّن معزوفة جميلة تطرب الجمهور.
هذه كانت مُقدِّمة تشير إلى أهمية العمل بروح الفريق؛ سواء كان على مستوى الفريق أو على مستوى الدولة؛ فخلال اﻷيام الفائتة القليلة، خاصة بعد ارتفاع سعر قيمة لتر المشتقات النفطية في محطات التوزيع، كان هناك الكثير من النقاشات والاتهامات في وسائل التواصل الاجتماعي من المواطنين، مُوجَّهة إلى المسؤول الحكومي حول التقصير وعدم اﻹحساس بالمواطن البسيط، الذي يُشكِّل النسبة اﻷكبر من التعداد السكاني. وبالمقابل، كانت هناك ردود غير رسمية من بعض المسؤولين أو المدافعين عن الحكومة بأنَّ الوضع طبيعي، وأنَّ الدول اﻷخرى تمر بوضع مشابه وربما أكثر صعوبة وألما، وعليه فإنَّ علينا أن نصبر ونصابر.
الوتيرة نفسها تتكرَّر عند نهاية كل شهر وبداية كل شهر عندما تتغيَّر تسعيرة (البنزين)، وتزيد وتهدأ حسب حجم التغيُّر الذي يطرأ عليها، لكن هذه المرة زادت اﻷصوات وارتفعت لعدة أيام، وطالبتْ المجالس التشريعية بالتدخل لحماية المواطن من ارتفاع التسعيرة، واستمر الضغط على الحكومة من خلال المطالبات بالتدخل لعدة أيام تخوفا من استمرار ارتفاع الأسعار في الشهور المقبلة، ولكن وللأسف الشديد يرى المواطن أنَّ الحكومة لا ترد عليه صراحة، ولا توضح له ما هي أسباب هذا الارتفاع، وتكتفي البيانات والمقابلات الصحفية التي صدرت في بداية تطبيق نظام رفع الدعم الحكومي على أسعار البترول السنة الماضية 2016م.
عموما، ومن وجهة نظري، ولكي نقلل من التشنج الشعبي، ليس في موضوع أسعار البنزين فقط، وإنما في الكثير من المواضيع الخدمية التي تهم المواطن والمقيم، على مسؤولينا الحكوميين أن يعملوا بروح الفريق الواحد وكأنهم أوركسترا ضخمة ويقودها مايسترو محترف، لكي تكون هناك حفلة ذات جودة عالية، ليصفق لها الجمهور طويلا.
الجهاز الحكومي الحالي وكدولة مؤسسية تضم في طياتها المفكر والمخطط والمنفذ والمشرع والمراقب والمقيم، فهل هؤلاء يعملون كخلية نحل وبالطاقة الكاملة ومنصهرين ومتآلفين ليشكلوا رؤية صلبة مُشتركة مُتماسكة، من خلالها يُمكنهم أن يخدموا الجمهور المتلقي من مواطنين ووافدين، أو أنَّ كلًّا منهم يعمل حسب هواه وقدراته وتوجهاته الشخصية؟!!
لابد للمسؤول الحكومي أن يَعِي أنه من الصعوبة أن يوقف النقد واللوم من الجمهور؛ لعدة أسباب أهمها: أنَّ الفرد الآن أصبح يقارن ومطالع لأفضل التجارب العالمية في مجال تقديم الخدمات الحكومية، ولأننا أصبحنا في قرية صغيرة بسبب وسائل التواصل الأجتماعي العصرية؛ لذلك فلابد منه أن يتأقلم مع مُتغيرات العصر، ويجد لنفسه محلا لموطئ قدم يستطيع من خلاله التفاعل مع الجمهور ليتفاعل معهم بشكل مدروس ومهني، والذي يشكل شريحة واسعة من التعداد السكاني.
الحلُّ يكمُن في إعادة السيمفونية العمانية لسابق عهدها، والتي عملت بكل إخلاص وأمانة وقريبة من المواطن تحس بإحساسه، وتفرح لفرحه، وتقف معه في أحزانه، والآن وقد زاد حجم التعداد السكاني وزاد معه عدد الوافدين، وتشابكتْ المواضيع ببعضها البعض وأصبحت المتغيرات العصرية سريعة جدا وبشكل يومي، فإنَّه أصبح لزاما للمنظومة الحكومية أن تعمل أضعافَ الفترة السابقة بروح الفريق الواحدة والابتعاد عن اﻷجندات الأنانية، وعليها التواصل مع المجتمع وتبني حلول ابتكارية تتناسب مع روح الشباب، والاستفادة القصوى من جميع الأدوات والآلات والشخوص الموجودة في الهياكل الحكومية لتشكِّل سياسات حكومية مبتكرة لضمان مجد وسيمفونية عُمان الخالدة، ولابد من تحويل اﻷوقات والساعات الضائعة إلى رؤى وأفكار وأهداف وخطوات وخطط تنفيذية ليصفِّق الجمهور طويلا، وإنْ لم يصفق الجميع، سيصفق معظمهم على اﻷقل.. وهذا هو المبتغى.