تجارة الكراتين

 

د/عبدالله عبدالرزاق باحجاج

الرحلة رقم (680) للطيران العُماني من مطار المدينة المنورة إلى مطار مسقط الدولي، يوم الأحد الموافق 29/1/2017، الإقلاع الساعة (17:55)، القضية من جزئين، الأول، تداعيات تطبيق قرار حقيبة واحدة لكل مُسافر، والثانية، تصرف غريب قبيل الدخول للطائرة، نقف في هذه القضية كشاهد عيان من بين الكثير من العُمانيين الذين التقينا بهم في المطار، من هنا، فإنّ كتابتنا عنها، تكون كشاهد عيان للحدث، وكطرف فيه، وكمُتضرر معنوي منه، فهل يعلم الطيران العُماني بتداعيات قرار التحول إلى نظام الحقيبة الواحدة ذات وزن (30) كيلو بدلاً من النظام السابق الذي يُعطي المسافر الحق في تعدد الحقائب مع الاحتفاظ بالوزن نفسه؟.

رغم تعاطي وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة القرار قبل تطبيقه، إلا أنَّ الكثير من المسافرين قد تفاجأوا بنظام الحقيبة الواحدة، وهذا يعني أنّ القرار لم يصل إلى القاعدة العريضة من المواطنين خاصة الذين لا يُتابعون وسائل التواصل والصحافة، ويكتفون بالمتابعة المرئية والسمعية، فمثل هذا القرار يبدو أنّ وسائل إعلامنا الحكومية لم تتناوله أو أنها تناولته لكن ليس كما يجب، بدليل أنّ العشرات من العائلات قد انصدمت ميدانيا بهذا التحول، لكن الحل جاهز وسريع في المطار، فقد تمَّ استحداث فرع جديد من النشاط التجاري في مطار المدينة المنورة، وهو تجارة الكراتين التي تتسع لـ (30) كيلوجراماً، فسرعان ما تمّ توجيههم إلى محل في المطار يبيع الكرتون بـ (60) ريالاً سعودياً أي بما يساوي أكثر من (6) ريالات عُمانية، البعض، لم يكن عنده حتى هذا المبلغ على اعتبار أنّه قد استنزف مبلغ سفره، وهو يتجه إلى ناقله الوطني للعودة إلى بلاده، فقرار الطيران العماني قد أوجد مشروعاً ناجحًا، وأرباحه مضمونة وكبيرة، وليس أمام المواطن المسكين سوى الدفع إذا ما أراد أن يضمن وصول (30) كيلو حقه القانوني إلى بلاده، أما وصولها في حقيبتين، فهذا قد أصبح محظورا على مسافري الطيران العماني، وفي الميدان نفسه، انقسم المسافرون إلى ثلاثة مسارات متباينة، الأول دفع قيمة أكثر من كرتونين بسبب سفرهم العائلي، والثاني تنازل عن جزء من مُشترياته للعاملين في المطار، والثالث استخرج بعض أغراضه من حقائب الشحن ووضعها في أكياس وحقائب يد، وقد وجدنا أنفسنا ضمن الخيار الأخير، فعددنا أربعة مسافرين، وعندنا خمس حقائب، وزنها لا يتعدى (100) كيلوجراماً، أي يعني أن لنا (20) كيلوجراماً متبقية، ورغم ذلك، فقد تمّ رفض الحقيبة الخامسة بحجة لكل مسافر حقيبة فقط، وهي لها الأولوية على الوزن القانوني، فهكذا يكون الطيران العماني قد أوجد للأجانب في المطار وربما يكون الشأن نفسه في كل المطارات تجارة الكراتين، وسيكون زبائنها العمانيون فقط، وخاصة في مطارات جدة والمدينة وأبوظبي ودبي والشارقة .. لكثرة المسافرين العمانيين لهذه المحطات للحج والعمرة وشراء الاحتياجات الأسرية، وقد أصبحت جدة تدخل في منافسة مع دبي، بعد ما اكتشفت الأسر رخص الأسعار فيها مُقارنة بالمحلية والإقليمية الأخرى، خاصة المقبلين على الزواج من الجنسين، فهل قانون الحقيبة الواحدة سيُطبق على بقية الخطوط الإقليمية والعالمية أم على طيراننا العماني؟ فإذا ما كان حصرياً على ناقلنا الوطني، فهل سوف يمس بتنافسيته الإقليمية على الأقل؟ ربما تكون شركات الطيران الإقليمية تراقب قرار التطبيق، فلو انتقل إليها مسافرو الطيران العماني، فمن المؤكد سوف تتردد كثيرًا في تطبيقه مهما كانت فوائده أو أضراره، فالمعيار في النهاية يكون لصالح حجم الإقبال.

أما التصرف الغريب الذي وقع لنا قبيل دخولنا للطائرة، فبعيد الإعلان عن توجهنا لبوابة دخولنا للطائرة، سارعت الأسر العمانية أولاً إلى المقدمة في صف طويل– ونحن رقم أربعة في الطابور، وحجزنا مقاعد بالأرقام – 25، 24، 23،22 - غير أنّ موظفي الطيران العماني، لم يعترفوا بحق السبق، الذي يعطي للمسافر الأولوية في صعود الطائرة، وقدموا أولاً مسافرين إلى الهند من مؤخرة الصف، وعددهم يتجاوز (20) تقريباً، بحجة أنّ مقاعدهم خلف الطائرة وسط استياء المسافرين العمانيين الذين يشكلون الأغلبية، إنّه موقف مثير ومستفز، ويرسم صورة ميدانية غير مريحة نفسياً لوضعنا كعُمانيين، ولما صعدنا للطائرة اكتشفنا انتشارهم في مقاعد الطائرة، وليس الخلف كما يزعمون، وحتى لو افترضنا تلك الحجة، فالأولوية لمن تقدم أولا، والنداء كان عامًا وليس خاصًا بشريحة معينة من المسافرين، تصرف لا ينم عن احترافية، ولا تقدير لنا كعمانيين ولا كمسافرين غيورين على ناقلنا الوطني.

 نعلم أنها تصرفات فردية، وليست سياسة الطيران، لكن لابد من فتح هذا الملف حتى لا تتكرر هذه الإساءات لنا على ناقل نحمل له مشاعر الوطن، كونه يحمل اسمه، ومستثمرة فيه أمواله، كما أنّ تجارة الكراتين قد أصبحت فعلا ترسم صورة غير إيجابية في كيفية تعامل ناقلنا الوطني مع مسافريه العمانيين، مشهد يصلح أن يكون ضمن فيلم سينمائي ساخر، وقد كان مشهداً ساخرًا لبقية المسافرين على الخطوط الأخرى، فهل وصلنا إلى هذا المستوى؟