معاقون ولكن عظماء

حيدر بن محمد جواد بن سلطان

يسرني في هذه البادرة الطيبة أن أسلط الضوء على شيء هام قد يغفل عنه المجتمع؛ وهي حقيقة تتعلق بأنّ المعاق ليس عالة على مجتمعه أو دولته أو أسرته ومحيطه، لأنّه في النهاية كائن حي خلقه الله وخلق معه عاهته لحكمة وليس اعتباطا؛ تعالى الله جل علاه في خلقه، وهو القائل "خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" والمتتبع للتاريخ وللمسيرة البشرية سيجد أنّ هناك شخصيات معاقة ولكنها كانت عظيمة وسجلت من النقاط ما يحسب لها في حصيلة العطاء البشري. والمعاق من وجهة نظري تطلق على المعاق فكريًا الذي لا يعمل عقله ولا يشحذ هممه التي وهبه الله عزوجل فمن هنا سأسترسل في حديثي باختصار عن عظماء وفلاسفة معاقين جسديا وهذا لم يثنهم عن تحقيق الرسالة السامية لعمارة الأرض، وجني ثمارها وعدم التواكل والتذمر فمن التاريخ الاسلامي هناك صحابي جليل كان معاقاً بسبب شدة عرجه وصعوبة مشيه وحركته لكنه تميز بطلاقة اللسان والقدرة على التفاوض حيث أرسله سعد بن أبي وقاص إلى قائد الفرس رستم فكان من أنجح السفراء والمبعوثين السياسيين نظراً لصلابة عقيدته وشجاعته وإخلاصه في المهمة ولم تحل إعاقته دون اختياره لتلك المهمة الصعبة، ومن هنا كتب التاريخ عنه كمعاقاً أعرج تحدى أكبر قادة جيوش العالم في قصره الإمبراطوري ألا وهو ربعي بن عامر.

ويقابله أيضا عطاء بن أبي رباح إمام أهل مكة وعالمها وفقيهها فعلى الرغم من أنّه كان أشل أعرج وهذا يعيق حركته بين الناس إلا أنه كان عالماً وفقيهاً كان يجلس في حلقته العلمية يتدافع الآلاف من طلاب العلم على النهل من علمه وعطائه لدرجة أن الخليفه الأموي عبد الملك بن مروان يقول لا يُفتي الناس في موسم الحج إلا عطاء بن أبي رباح.

وأيضا من فطاحل الأدب العربي طه حسين أديب وناقد ومفكر مصري ولد عام 1889م وتوفي عام 1973 أصيب بالعمى في الرابعة من عمره لقب بعميد الأدب العربي ولا ننسى أعجوبة المعاقين هيلين كيلر وهي أمريكية كانت مصابة بالعمى والصمم والبكم منذ صغرها ورغم هذا تعلمت الكتابة والنطق ثم تعلمت اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية ودخلت الجامعة وتخرجت ثم تفرغت للكتابة والتأليف ولها كتب وقصص ومقالات، وهناك شخصيات ونماذج كثيرة لا تتسع لها صفحات الكتب..

ما أردت الوصول إليه أنّ العزم والإرادة تذيب كل الحواجز؛ والهيئات والحكومات طالما اهتمت بهذا النشء الذي يعتبر جزءًا لا يتجزأ من المجتمع فإنّها ستجني خيره، لأنّ النار من مستصغر الشرر، والجبال من صغار الحصى.

يجب ألا نُحجِّم أبناءنا المعاقين، وأن نبعد عنهم مسببات اليأس ونرسم لهم الصورة المشرقة بدلا من الكوابيس القاتمة..

ودمتم سالمين