في ثرى جوهرة مسقط (6)

طيف الوطن وهديةُ مسقط

 

 

راشد البلوشي

 

 

ما يُؤنسك على ظهر السفينة ليس إحساسك باتساع الأفق الأزرق، وتموُّج الماء، وظهور بعض الكائنات البحرية على السطح، وإنما الشعور بعظمة الخالق، والشوق إلى اليابسة. تُحاول جاهداً أن تتناسى صورة الماء المحيطة بك، وأن تستذكر الثرى، فلا ترى إلا طيف الوطن، بكل ما به؛ يتولد بداخلك خليطٌ من المشاعر الإيجابية، تنتعش الذاكرة، وتعود إلى الوراء؛ تفكر بالأهل والأصدقاء والأحبة، الوطن يتموج في ذاكرتك، وتراه ماثلاً في شموخ "الجوهرة"... هكذا يقول البحارة.

تُدرك أنَّ الرحلة التي تقوم بها تجمع الخاص مع العام، فيختلطان لديك؛ "الجوهرة" في طريقها إلى سنغافورة تأكيداً من السلطنة على متانة العلاقات الثنائية، فهي هدية مسقط لتلك البلاد تعبيرا عن روح الصداقة بين شعبين، وهذه رسالةٌ عظيمة ستبقى لأجيالٍ قادمة، تعبر عن العام، بيد أن ظروف الرحلة ومسارها، تشكل علاقةً خاصةً تجمع طاقم السفينة بـ"الجوهرة".. لقد أصبحت جزءاً من تاريخ البحارة الخاص الذين وجهوا دفتها نحو المقصد العام.

 تذكر "المدونة" أن بعض الرياح الجيدة عبرت صباحاً بنسائم عذبة تنعش الروح. السحب الاستوائية الجميلة تكاثرت، وشاهد طاقم الجوهرة المزيد من علامات الحياة البحرية. لاحظنا صباح اليوم مرور سرب كبير من الطيور في منطقة يبدو أنها تتغذى فيها على الأسماك، وبعدها بقليل شاهدنا العديد من الأسماك الكبيرة وهي تقفز. لكنها كانت بعيدة جدا عنا، لذلك لم نتمكن من تحديد أنواعها.

أمَّا بعد ظهر اليوم، فقد حدث شيء استثنائي؛ حيث ظهرت لفترة وجيزة جدا سلحفاة بحرية خضراء اللون قبالة الميسرة لجوهرتنا. لذلك، من الواضح أننا اقتربنا من الجرف القاري حيث إننا نتوقع مشاهدة المزيد من عناصر الحياة البحرية.

إذا ظلت الرياح على قوتها واتجاهها الحاليين، يمكننا رؤية جزر لاكشادويب في وقت مساء غد. تقع هذه الجزر الرائعة التي نادرا ما يزورها أحد قبالة ساحل مدينة كيرلا الهندية، وتشكل جزءا من نفس النظام البركاني تحت سطح البحر الذي يشكل جزر المالديف التي تقع إلى الجنوب قليلا. أما سكان هذه الجزر، فهم من المسلمين السنة ويتحدثون لهجة مختلفة من اللغة المالايالامية وهي اللغة الرسمية الثانية بولاية كيرلا.

اعتاد بحارة المحيط الهندي وما وراءه، منذ ألفي عام على الأقل -بحسب مدونة "الجوهرة"-على زيارة جزر لاكشادويب بحثا عن المأوى والاحتماء من الأحوال الجوية السيئة، ومن أجل الحصول على المؤن الغذائية والمياه، ولأغراض التجارة أيضا. أمَّا أهم موارد هذه الجزيرة، فهي جوز الهند الذي كان البحارة يستخدمون أليافه لصنع حبال عالية الجودة. وفي الواقع، ورد في أحد الوثائق الفارسية التي يعود تاريخها إلى عام 1026م اسم جزر لاكشادويب باسم ديفا-كامبار التي تعني جزر جوز الهند.. تقول الوثيقة: "الألياف هي النسيج الذي يتم إنتاجه من قشور جوز الهند، وتستخدم في صنع الحبال التي تستخدمها السفن".

كتب أحد الجغرافيين العرب في وقت لاحق من القرن الثاني عشر قائلا: "أتت السفن العمانية إلى هذه الجزر لجمع ثمار جوز الهند وقطع الأخشاب لبناء السفن". وقد حافظ سكان هذه الجزر على مهارتهم في صنع الحبال وبناء القوارب بطريقة التشبيك والخياطة حتى العصر الحديث.

لكنَّ جوهرة مسقط لن تتوقف في جزر لاكشادويب لأنها منطقة محمية، وبالتالي ينبغي الحصول على تصريح خاص من الحكومة الهندية لزيارتها. ومع ذلك، نحن جميعا نتطلع لمشاهدة شواطئ هذه الجزر التي تغطيها أشجار نخيل جوز الهند من مسافة بعيدة لدى مرورنا بها ونحن في طريقنا إلى كوتشين.

Almeen2009@hotmail.com