دافوس..القلق من مجيء ترامب يختبئ تحت قشرة التفاؤل العالمي

 

 

 

دافوس - سويسرا- رويترز  

الاقتصاد العالمي في وضع أفضل مما كان عليه قبل سنوات فأسواق الأسهم تزدهر وأسعار النفط في طريقها للصعود من جديد في حين تراجعت مخاطر تباطؤ سريع محتمل في الصين كان مصدر قلق للعالم قبل عام.

لكن رغم كل ذلك لا يبدو أن مناخاً احتفاليًا يُخيم على اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا هذا العام والذي يضم الزعماء السياسيين ورجال الأعمال والمصرفيين.

فتحت قشرة التفاؤل التي تحيط بالتوقعات الاقتصادية يعتمل قلق يتعلق بمناخ سياسي أكثر خطورة وشعور عميق بعدم التيقن يُحيط برئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة المقرر أن تبدأ يوم 20 يناير وهو يوم ختام اجتماعات المنتدى السنوي.

في العام الماضي كانت هناك حالة إجماع في المنتدى على أن ترامب ليس أمامه فرصة للوصول للبيت الأبيض. وجاء فوزه بعد أقل من نصف عام على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليوجه صفعة لشتى المبادئ التي تعتز بها صفوة دافوس بشدة منذ فترة طويلة من العولمة إلى التجارة الحرة والشركات متعددة الجنسيات.

وترامب هو المثال الحي على موجة جديدة من الشعبوية التي تجتاح دول العالم المتقدم وتهدد النظام الديمقراطي الليبرالي لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ومع اقتراب الانتخابات في هولندا وفرنسا وألمانيا وربما إيطاليا هذا العام فقد بدا قلق الحضور في منتدى دافوس واضحًا.

وقال جان ماري جوينو الرئيس التنفيذي للمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات "بصرف النظر عن رؤيتك لترامب ومواقفه فإن انتخابه أدى إلى شعور عميق بعدم التيقن وسيلقي ذلك بظلاله على دافوس."

وكان موازيس نايم من مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي أكثر صراحة حيث قال "هناك إجماع على أن شيئًا ضخما يجري.. شيئا عالميا وغير مسبوق على عدة مستويات. لكننا لا نعرف ما هي أسبابه أو كيف نتعامل معه."

وتستحضر عناوين حلقات المناقشة في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يستمر في الفترة من 17 إلى 20 يناير المشهد العالمي الجديد الباعث على القلق.

ومن بين هذه العناوين "كيف يمكن حل أزمة الطبقة المتوسطة المضغوطة والغاضبة؟" و"سياسات الخوف أو التمرد للمنسيين" و"التسامح هل بلغ مداه؟" و"مرحلة ما بعد الاتحاد الأوروبي".

 

كما أن قائمة الزعماء الذين يحضرون المنتدى هذا العام معبرة كذلك. فنجم المؤتمر هو شي جين بينغ أول رئيس صيني يحضر مؤتمر دافوس على الإطلاق. ويعتبر حضوره إشارة على ثقل الصين المتزايد في العالم في وقت يعد فيه ترامب بمزيد من نهج "أمريكا أولا" الانعزالي وتنشغل فيه أوروبا بمشاكلها الخاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

تحضر المنتدى كذلك تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا التي تواجه مهمة شائكة تتمثل في إخراج بلدها من الاتحاد الأوروبي. لكن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي دأبت على حضور المنتدى السنوي والتي تلائم سمعتها كزعيمة قوية ثابتة على الموقف الشعار الرئيسي للمنتدى وهو "الزعامة المسؤولة المتجاوبة" فلن تحضر هذا العام.

 

احتفالات في المصعد

 

ربما يكون السؤال المحوري في منتدى دافوس الذي يستمر أربعة أيام ويشمل حلقات نقاشية ومآدب غداء وحفلات استقبال تتناول موضوعات متنوعة من الإرهاب إلى الذكاء الاصطناعي والصحة هو ما إذا كان الزعماء يمكنهم أن يتفقوا على الأسباب الأساسية للغضب العام وأن يبدأوا في صياغة استجابة له.

وأكد تقرير للمنتدى عن المخاطر العالمية صدر قبل بدء انعقاد اجتماعاته على "تآكل ثقة الرأي العام في المؤسسات" وأشار إلى أن إعادة بناء الثقة في العملية السياسية والزعماء "ستكون مهمة صعبة".

 

ويعتقد جاي ستاندينج الذي ألف العديد من الكتب عن طبقة جديدة تفتقر للأمان الوظيفي والإيراد المضمون إن المزيد من الناس يميلون للاعتقاد بأن الرأسمالية القائمة على اقتصاد السوق تحتاج لتعديل شامل حتى أولئك الذين استفادوا منها.

 

وقال ستاندينج الذي دعي لدافوس للمرة الأولى "نماذج المؤسسات التي تمثل التيار الرئيسي لا تريد ترامب والسلطويين اليمينيين." وأضاف "بل تريد اقتصادا عالميا يحقق نموا مستداما يمكنهم من خلاله القيام بأعمالهم."

 

لكن إيان بريمر رئيس مجموعة أوراسيا الاستشارية ليس واثقا من ذلك.

 

وهو يروي عن زيارة قام بها في الفترة الأخيرة لمقر بنك جولدمان ساكس في نيويورك حيث رأى مصرفيين "يحتفلون في المصعد" بارتفاع أسعار الأسهم واحتمالات خفض الضرائب وتحرير الإجراءات التنظيمية في عهد ترامب.

 

وسيحضر اجتماعات دافوس لويد بلانكفين رئيس جولدمان ساكس وجيمي ديمون رئيس مورجان ستانلي.

 

وقال بريمر "إذا أردت إيجاد أشخاص مستعدين للاحتشاد معاً للقول بأن الرأسمالية كسرت من أساسها فإن دافوس ليس المكان المناسب لذلك."

 

إيقاع التغيير

 

ويعتقد سوما شاكرابارتي رئيس البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير أن التوصل إلى "نسخة حديثة من العولمة" ممكن لكنه أقر بأن صياغتها ستحتاج لوقت.

 

وقال "سيكون طريقا طويلا لإقناع النَّاس بأن هناك نهجاً مختلفاً. لكن لا يتعين أن نلقي بالطفل مع ماء استحمامه."

 

لكن بعض الحضور يشعرون بالقلق من أن وتيرة التغير التكنولوجي والطبيعة المدمجة المعقدة للاقتصاد العالمي تصعب على الزعماء تشكيل الأحداث والتحكم فيها ناهيك عن إعادة تشكيل النظام العالمي.

 

فالأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009 وأزمة المهاجرين في 2015-2016 كشفت عجز الساسة مما كرس إفاقة الشعوب من الأوهام ودفعهم نحو الشعبويين الذين يقدمون تفسيرات وحلولاً سهلة.

ويقول إيان جولدين الخبير في العولمة والتنمية بجامعة أوكسفورد إن المشكلة هي أنه في العديد من المشكلات من تغير المناخ إلى التنظيم المالي لا يمكن تحقيق نتائج إلا من خلال التعاون الدولي. وهذا بالتحديد ما يرفضه الشعبويون.

وأضاف "حالة السياسة العالمية أسوأ مما كانت عليه منذ فترة طويلة... في وقت نحتاج فيه للمزيد من التنسيق لمعالجة قضايا مثل تغير المناخ ومخاطر شاملة أخرى يتزايد بدرجة كبيرة ضيق الأفق والانعزالية."

تعليق عبر الفيس بوك