"المَلِك للتبغ والدخان"

 

د. عبدالله باحجاج

مَضَى عامٌ كاملٌ من يَوْم فتحنا ملف المحلات التجارية المتخصِّصة لبيع واستخدام التبغ والدخان بالقرب من المدارس وألعاب تسلية الاطفال، فقد تناولناها في مقالين؛ الأول بعنوان "لدينا أفضل...الدوخات والمداوخ"، والثاني "دوخة على الطاير.. والأولى بالمجان". وعنوانا المقالين منقولان من عبارات مكتوبة على المحلات من الخارج وبالخط العريض، ورغم الصدى الاجتماعي الواسع للمقالين، إلا أنَّ المؤسسات الحكومية المحلية في صلالة لم تعمل شيئا ضد هذه الظاهرة، كما أن الفاعلين الاجتماعيين يمرون عليها، وكأنها لا تعنيهم، وكأنها لن تمس أبناءهم، أين ضماناتهم؟

هذه المحلات تستهدف الأطفال في المقام الأول حتى تغرقهم في الإدمان، بدليل نزول أسعارها إلى مستوى المصروف المدرسي اليومي. وبدليل، تقديم لهم التعاطي داخل المحل نفسه، وبدليل الجرعة الأولى بالمجان، مثل هذه الأدلة كافية للإقناع، والمثير ما تكتبه هذه المحلات على واجهتها الخارجية من عبارات؛ مثل: دوخة سريعة، خفيفة، ثقيلة، دوخة إيرانية حارة، دوخة هندية...إلخ مُسميات تدعو لفتح ملفات حولها، والعمل على وضع حدٍّ فوريٍّ لها، لكن هذا لم يحدث للأسف حتى الآن؟ ربما علينا أن نتوجَّه الآن إلى أعضاء المجلس البلدي الجديد، فتشكيلتهم تجمع بين المخضرمين والشباب، وقد لمسنا في الكثير منهم الرغبة في خدمة مجتمعاتهم المحلية، وفي مقالنا الأخير المعنون بـ"خارطة الأولويات للمجتمعات المحلية"، أدرجنا آفات السموم ضمن هذه الأولويات، ورجَّحنا القضايا المجتمعية والظواهر السلبية على الدور الخدماتي للمجالس البلدية في بلادنا؛ فلماذا يتم ضياع الوقت والجهد في ملف الخدمات، والكل يعلم أنها حكرٌ على الحكومة، مهما مارست المجالس من ضغوطات إيجابية، ومهما تبنَّت من أدوات موازية للأدوات البرلمانية؛ فالقرار للأسف بيد الحكومة حصريا؛ فلتعلنها المجالس في بيانات رسمية: وقف أدوارها الخدماتية حتى تعتد الحكومة بها، والتوجُّه نحو الانشغال بالقضايا الاجتماعية والظواهر السلبية؛ مثل القضية التي نطرحها مجددا اليوم، وقد تابعنا آخر تطوراتها السلبية، فوجدنا محلات جديدة قد انضمت إلى معركة تدمير أطفالنا وشبابنا؛ فمن سيمنح رخصة قانونية بالاسم الذي عنونَّا به مقال اليوم وهو: "الملك للتبغ والدخان"، وعليها صورة أسد، واسم آخر " زعيم الدوخات والمداويخ" وكذلك الأسماء سالفة الذكر؟!! أين الرقابة المؤسساتية؟ هل المسؤولة هنا بلدية ظفار أم المديرية العامة للتجارة والصناعة بظفار أم كلاهما؟ وكيف يسمح بمثل هذه المحالات أن تفتح مقراتها بالقرب من المدارس والمساجد ومراكز التسلية للأطفال والشباب في الأحياء المكتظة بالسكان؟ من المسؤول؟!!

لو درسنا التأثيرات السلبية لهذه المحلات، فسنجد أنها تشكل بمثابة البوابة الاولى لدخول عالم القات والمخدرات، وهى متاحة للأطفال والشباب، مكانيا، وماليا، ونفسيا، وحتى اجتماعيا، حيث إنها مسموح بها رسميًّا، وقريبة من منازلهم ومدارسهم، فيرتمون في مستنقعاتها بسهولة، وهذا أكبر تغرير بهذه الشريحة السنية الهامة، ولما يكبروا قليلا، ويتعاطعون القات أو بقية المخدرات، نلقي القبض عليهم ونزج بهم في السجن، وتلصق بهم تهمة الإجرام طوال حياتهم، هنا نتساءل: من ينبغي أن يدخل السجن؟ هؤلاء أبرياء، غُرِّر بهم، ولم نوفر لهم البيئة الآمنة لانتقالهم الطبيعي من مرحلة المراهقة إلى الشباب، ومن مرحلة الشباب إلى الرجولة، فلم تكن تلك المحطات عابرة سنيًّا، وإنما شكَّلتْ لهم محطات دائمة تؤثر على مستقبلهم، وتصنفهم ضمن فئات الإجرام.

كيف يقبل العقل الاجتماعي هذه المحلات بتموقعاتها ومسمياتها؟ من هنا، نحمل المجلس البلدي في محافظة ظفار مسؤولية هذا الملف بصورة عاجلة، بحيث ينبغي أن يكون أول اهتماماته، ونقترح عليه بداية العمل على إبعاد هذه الآفات عن المدارس الابتدائية والإعدادية والاحياء السكنية، وتغيير مسمياتها، ومن ثم العمل على تقديم توصية عاجلة للحكومة بسرعة رفع الرسوم على التبغ والدخان بنسبة (100%) على غرار دول في المنطقة كالبحرين والسعودية، ومن هذه القضية يتحتم فتح ملف القات وبقية المخدرات بعد تصاعد عمليات تهريبها إلى داخل المحافظة، ومشاهد كراتين القات وعمليات إلقاء القبض على تجارها ومروجيها ومتعاطيها من الشباب بصورة تكاد تكون شبه يومية، تجبر أعضاء المجلس البلدي على التدخل في حماية المجتمع وأبنائه، وإذا لم تكن هذه القضايا الأهم عندهم الآن، فما هو الأهم منها؟ هل سيكون في تكرار نفس التوصيات العالقة في مكتب الوزير والحكومة، وحتى لو تمكنوا من حلحلة بعضها بالعمل الموازي -الذي نراهن عليه دائما- فمن حيث سُلَّم الألويات في ظرفيتها الزمنية، قضيتنا تحتل المرتبة الأولى، وينبغي على الأعضاء التعامل معها من هذا المنظور وفورا.

انتخبكم المجتمع لخدمته والدفاع عن مصالحه والحفاظ على قيمه وثوابته، فحِرَاككم في مثل هذه القضايا معيار نجاحكم أو إخفاقكم، فهل أنتم لها؟ فقدنا الأمل فيمن لم سمحوا لأنفسهم بالتدقيق في تلك المسميات المسيئة للمجتمع قبل الموافقة عليها، ولم يفعلوا شيئا بعد مشاهدتهم لها على المحلات.. فماذا أنتم فاعلون يا أعضاء المجلس البلدي الجديد؟!