نداء عاجل لوزير الصحة

 

سيف المعمري

ما تقوم به الحكومة ممثلة بوزارة الصحة في توفير خدمات الرعاية الصحية الأولية والتخصصية لجميع المواطنين والمقيمين في السلطنة لا يمكن نكرانه، وهي جهود كبيرة وتكلف خزينة الدولة مليارات الريالات، تنفق في توسيع الرقعة الجغرافية للمؤسسات الصحة على سائر محافظات السلطنة بولاياتها وقراها وتجمعاتها السكانية، ورفدها بالكوادر البشرية الطبية والفئات المساعدة والفنيين والإداريين والتأهيل والتدريب المستمر لهما، وكذلك توفير الأجهزة والمعدات الطبية الحديثة، بجانب توفير سبل الوقاية من الأمراض المعدية وغير المعدية وغيرها.

وبعيد عمّا تؤكده الأرقام والإحصائيات والمؤشرات التي تقوم بها الوزارة، والمركز الوطني للإحصاء والمعلومات، أو حتى التقارير الإقليمية والدولية حول الوضع الصحي العام المطمئن في السلطنة، لكن هناك نداءات متكررة من قبل السكان؛ مواطنين ومقيمين في السلطنة بأنّ الخدمات الصحية الأولية والتخصصية في جميع المؤسسات الصحية لا تزال غير مطمئنة بل ومنفرة في أحيان كثيرة وهو ما يفسر تفضيل المواطنين للعلاج في الخارج لمختلف الأمراض، وأعداد المرضى تتنامى عاما بعد عام، وإن كانت الوزارة لا تجدد مبررا للعلاج بالخارج وأن المؤسسات الصحية في السلطنة تقدم خدماتها لجميع تلك الأمراض، لكن ما يجب أن تعيه الوزارة إنّ خدماتها لم تجد الثقة من بعض المرضى وأسرهم، وبطبيعة الحال لا يمكن الدخول في تجارب وامتحانات على حساب حياة إنسان أو موته؛ صحيح أنّ الأعمار بيد الله، ولكن الاستماع إلى الروايات والقصص والمآسي التي تحدث في مؤسساتنا الصحية يجعل منها أشباحا ينفر الناس منها.

لا أرغب في التقليل من جهود الوزارة ولا العاملين فيها بجميع مواقعهم ولكن لا يمكن أن تصم الوزارة آذانها عن النداءات والأنين الذي خلّفته الكثير من الأخطاء الطبية وضعف الرعاية والعناية بالمرضى. صحيح أنّ الأخطاء الطبية تحدث بجميع المؤسسات الصحية العالمية وبنسب متفاوتة، وصحيح أيضا أنه لا يمكن تفسير كثرة الأخطاء الطبية في كل الأحوال بضعف إمكانيات الأطباء والفئات المساعدة أو عدم وجود الأجهزة، بل وفي أحيان كثيرة تعود إلى ضعف الإدارة واللامبالاة وغياب الرقيب والمحاسبة الفورية وعدم الإحساس بالمسؤولية وضعف الوازع الأخلاقي من قبل بعض الكوادر البشرية في مؤسستنا وبجميع مسمياتهم ودرجاتهم الوظيفية.

لا يتسع المجال لتشخيص جميع المشاهدات من واقع مؤسساتنا الصحيّة ولكن سأقف على بعض منها، وهو ما دفعني لكاتبة هذا المقال؛ حيث استوقفني أحد الأصدقاء بولاية البريمي مستفهمًا ومستغيثا بمن يحمل نداءه إلى وزير الصحة حيث استرسل في الحديث عن حالة طارئة حدثت له أثناء اصطحابه لأسرته إلى ولاية صحار، ورغم أنّها حالة طارئة فلم يجد سوى مسكن ألم لحالة كسر في الساق بعد انتظار لأكثر من 7 ساعات متنقلا بين مجمع صحار ومستشفى صحار المرجعي، فما تفسير الأمر لدى لجنة الأخطاء الطبية التي تجتمع كل أسبوع؟

كثرة الأخطاء الطبية الجسيمة بالمستشفى دفعت المواطن عبيد الفارسي للاتصال ببرنامج البث المباشر في الإذاعة العامة وحاول إيصال ندائه إلى وزير الصحة حيث انتقد مستوى الخدمات المقدمة في مستشفى عبري، ومستشفى الرستاق هو الآخر، وسوء إدارة الحالة الطارئة للطالب محمد الذي لم يتجاوز السادسة من عمره وهو في الصف الأول بمدرسة دار الحكمة؛ حيث أصيب في معصمه الأيمن عند الثالثة عصرًا، ولم يتلق العلاج حتى الساعة السابعة مساء، وفي العاشرة تمّ اتخاذ قرار بتنويمه، ثم بعد ساعة اتخذ الطبيب الجراح قرارا آخر بنقل المريض إلى مستشفى خولة، طالبًا من ولي أمره نقله إلى مسقط ومتعللا بعدم توفير سيارة إسعاف لمريض عاجل في قسم الطوارئ.

وفي مجمّع البريمي الصحي تستوقفك على كل شباك وكل ردهات المجمع المادة (173) من قانون الجزاء العُماني: "كل من أهان موظفاً بالكلام أو بالحركات علانية أو بالنشر، أثناء قيامه بوظيفته أو بمناسبة قيامه بها، يعاقب بالسجن من عشرة أيام إلى ستة أشهر"، فلماذا التلويح بالعقوبة للمرضى؟ أليس هذا الإجراء بمثابة مؤشر على وجود مشكلة حقيقية وانعدام الثقة بين الكوادر البشرية في المجمع وبين المرضى والمراجعين.

وعطفا على ما تمّ ذكره فالنداء العاجل لمعالي الدكتور وزير الصحة للوقوف على مؤشرات عدم الرضا عن واقع الخدمات الصحيّة بشكل عام في مؤسساتنا، وليس كل تلك المؤشرات لها ارتباط بضعف الإمكانيات البشرية والمادية، كما أن ليس كل مريض قادر على رفع شكوى إلى مكتب معاليكم، ولكن ما تتناقله وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كفيلة بتشخيص الواقع الذي تعيشه مؤسساتنا الصحية، فلماذا لا تقوم وزارتكم برصد انطباعات المراجعين والمرضى عن خدمات المؤسسات الصحية؟ وما مستوى رضا معاليكم عن خدمات تلك المؤسسات؟!

بوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت..

Saif5900@gmail.com