"وألَّف بين قلوبكم.."

 

 

نادية المكتوميَّة *

الزواج حكمة ربانية وخطوة مهمة في حياة الفرد؛ فالاستقرار الأسري هو الغاية الأسمى، والأسرة هي قلعة من قلاع الوطن الحصينة، بقوتها وسلامتها يقوى المجتمع. ويعد الاختيار المناسب لشريك الحياة هو الخطوة الأولى لبناء الأسرة المستقرة.

كثيرًا ما تأتيني استشارات من الشباب والفتيات المقبلات على الزواج والحيرة تملؤها كيف أختار شريك حياتي؟ من الطبيعي أن تكون هذه المرحلة مربكة ومحيرة لهم، وهنا يأتي دور التوعية والحوار الأسري وأيضا الإعلامي والمجتمعي لهذه الفئة؛ بتبصيرهم بهذه الأسس التي يمكن أن تشكل ركائز يستندون إليها في اختيارهم، وتضمن لهم البعد عن التخبط والأفكار المعلبة التي قد ترسم في أذهانهم أسسا غير متناسبة مع ثقافتنا الإسلامية والعربية، خاصة مع الانفتاح المعرفي عبر وسائل التواصل الاجتماعي وما يبثه الإعلام المغلوط لأذهان شبابنا وفتياتنا عن ماهية هذه العلاقة المقدسة، فمن شأن هذه الأفكار المغلوطة أن تشوهه وتعبث به.

هناك الكثير من الأسس التي يجب مراعاتها عندما نريد اختيار نصفنا الآخر؛ أهمها: الإجابة عن سؤال: ما الهدف والغرض الذي أريده من هذا الزواج؟ ربما يرى البعض أن هذا السؤال بديهي، غير أنني وجدت من خلال الاستشارات التي تردني إجابات كثيرة تحتاج لوقفة؛ منها: لأن الزواج سنة الحياة، لأن صديقاتي أو أصدقائي تزوجوا جميعا، أو لأن الوالد أو الوالدة يريدون مني أن أتزوج!

المتأمِّل في الإجابات السابقة يجدها أسبابًا هامشية لا تشكل نقطة انطلاقة صحيحة وواضحة للهدف من الزواج، ولا تشي هل هذا الشاب أو الشابة يعي أهمية الخطوة التي سيقبل عليها، وهذه حقيقةً نقطة مهمة يجب أن تكون حجر الأساس في رحلة الاختيار، إذن لماذا تريد أن تتزوج أيها الشاب والفتاة؟! سؤال مهم جدا يجب أن يكون واضحَ الإجابة في ذهنك؛ لأن له بُعدَه في حياتك الزوجية.

تلعب عملية الاختيار لشريك الحياة دورا أساسيا في إنجاح الحياة الزوجية وتقليص حالات الطلاق وتقليل المشكلات الزوجية؛ فالزواج ليس فقط ارتباط رجل بامرأة، إنما هو زواج أسرة بأسرة وانسجام والتزام مجتمعي، يخطئ كثيرٌ من الشباب عندما ينطلقون من فكرة أنا من سأتزوجها أو سأتزوجه وليس أهلي، فأنت شئت أم أبيت فرد في عائلة وهي فرد في عائلة أخرى، وستصبح العائلتان بعد الزواج جزءًا من عالمكم الاجتماعي، تتفاعلان وتؤثران وتتأثران به؛ لذلك رضا الأسرتيْن وتناغمهما مطلب مهم لزواج مستقر.

ويعد الاختيار السليم من أساسيات الحياة السعيدة، وعليه سيقوم أجمل بناء تشهده البشرية، ويقوم على ثلاثة محاور أساسية؛ هي:

- الاحتياجات الأساسية: وهي احتياجات لا يمكن التنازل عنها من قبلك ومن قبل أسرتك ومجتمعك، ومن الضروري أن تكون واضحة منذ الوهلة الأولى في التفكير باختيار شريك الحياة، وينبغي مناقشتها مع أسرتك والاتفاق عليها عند بدء البحث عن النصف الآخر؛ بحيث لا يكون القرار فرديا من قبلك وحدك، ولا من قبل الأسرة وحدها، وإنما معايير مشتركة توضع بالحوار الهادف، وهنا لا يمكن أن أقدم لك معايير ثابتة، إنما ثقافتك وثقافة أسرتك ومجتمعك هي من تحدد ذلك؛ لأنك أنت ونصفك الآخر ستكونان جزءا من هذا النسيج لذلك التآلف والتناغم معه مطلب أساسي لحياة مستقرة سعيدة.

- التوقعات المرغوبة في الطرف الآخر: وهي عبارة عن مجموعة من المواصفات التي متى وجدت بالفعل في الطرف الآخر لكانت أفضل، وإذا لم تتوافر فلا بأس بشرط أن لا تكون من الصفات الجوهرية الأساسية التي ذكرناها سابقا.

- القائمة السوداء: ونقصد بها مواصفات لا يمكن تقبلها في النصف الآخر الذي أبحث عنه، ولا يمكن التفاوض في شأنها بمعنى لو وجدت هذه الصفات في الطرف الآخر تصبح مرفوضة جملة وتفصيلا، مثلا شاب يتعاطى الكحول ولا يزال مدمنًا عليها وغيرها من قائمة الممنوعات التي يضعها الفرد مع نفسه ومع أسرته ويحرص على رفضها في الطرف الآخر، وهي كما ذكرنا تختلف وتتفاوت من ثقافة لأخرى ومن فرد للآخر.

أعزائي المقبلين على الزواج، دَعْ خيالك يُحلِّق بك قليلاً في المستقبل نحو الحياة الزوجية القادمة، لتقيس مدى تناسب شريك الحياة معك، واسأل نفسك سؤالا واضحا وصريحا: هل هذا هو الشخص الذي أستطيع أن أقضي حياتي معه تحت سقف واحد؟ يكون أبا أو أمًّا لأولادي؟ سندًا لي في مشوار حياتي؟!!

--------------------------------

"نصفك الآخر جُزء منك، وُجِد لتكبرا معا، وتشيخا معا، فاحرص على بداية صحيحة تؤسِّس لعمر جميل لا ينتهي".

 

* مُتخصِّصة أسرية وتربوية

تعليق عبر الفيس بوك