صالح البلوشي
ربما كان انضمام السلطنة إلى التَّحالف الإسلامي ضد الإرهاب مُفاجأة للذين لا يُتابعون السياسة العُمانية، ولا يفقهون دهاليزها، ولكنها لم تكن كذلك للذين يعرفون مبادئ السياسة الخارجية العُمانية منذ عهد النهضة المباركة، وكذلك لم يكن مفاجأة للمواطنين العمانيين الذين عاشوا مع هذه السياسة ويثقون فيها.
وهناك من أخذته المفاجأة إلى درجة التَّطرف في رد الفعل حيث وصف الانضمام بـ"عودة عُمان إلى الحضن الخليجي"، ولا أدري متى غابت السلطنة عن الخليج والاهتمام بقضاياه وهمومه حتى تعود إليه مجددًا! بينما ذهب موقع: "إرم" الإلكتروني بعيدًا جدًا، حيث نشر تقريرًا تحت عنوان: "غضب إيراني من انضمام سلطنة عُمان للتحالف الإسلامي بقيادة السعودية" ولم يتضمن التقرير أيّ تصريحات إيرانية تدل على الغضب أو أيّ رد فعل آخر، ولكن من يتابع هذا الموقع وخاصة عندما يطرح مواضيع تتعلق بالسلطنة لا يستغرب مثل هذا الطرح، وهناك من اعتبر القرار بأنّه لا يُمثل أي تغيير للسياسة العمانية الخارجية مثل المُحلل السياسي العماني الدكتور عبد الله بن محمد الغيلاني الذي قال لجريدة "الخليج أونلاين": "إنّ الخطوة العمانية لا تُؤثر على العلاقات مع إيران وربما أطلعت عُمان القيادة الإيرانية على القرار قبل الإعلان عنه".
من يقرأ التاريخ جيدًا – لمن يفقه جيدًا دروس التاريخ – يعرف المواقف العُمانية من القضايا العربية والدولية جيداً، ولسنا بحاجة إلى التذكير بها دائمًا، ومن لا يستطيع أن يستوعب ذلك ويدعي أنَّ سياسة الحياد الإيجابي مستحيلة في عالم مليء بالصراعات والأزمات المُختلفة فله ذلك، ولكنه لن يستطيع – مهما حاول - أن يثبت انحياز السلطنة إلى أيّ طرف من أطراف النزاعات التي حدثت في المنطقة، والحمد لله فإنَّ السلطنة لم تعتد في تاريخها على أية دولة أخرى، أو شعب آخر، ولم تتورط في دعم أيّ نظام أو حزب أو تنظيم مسلح تورط في ممارسة القتل والإرهاب بحق الأبرياء، وفي مجال العلاقات السياسية لم تقطع علاقاتها مع أية دولة، بل كانت تعرض وساطتها في قضايا إقليمية ودولية كثيرة ونجحت في أغلبها، ولعل آخرها كان الاتفاق النووي التاريخي بين إيران ومجموعة 5+1، ولعلي لست بحاجة إلى تذكير القارئ بمواقف السلطنة في كثير من القضايا العربية؛ فالمواطن العماني والعربي يعرفها جيدًا.
وعودة إلى موضوع التحالف الإسلامي، فإنَّ السلطنة تتفق مع جميع دول العالم على ضرورة مكافحة الإرهاب والعمل معًا من أجل تجفيف منابعه، وخاصة بعد أن كشَّر عن أنيابه وبدأ يُهدد جميع دول العالم دون استثناء، ولعلي لا أبالغ إذا قلت: إنَّ السلطنة كانت أول دولة عربية تُحذّر العالم من التطرف الديني والقراءات الخاطئة للدين وعواقب ذلك على السلام العالمي، وذلك في العيد الوطني الرابع والعشرين سنة 1994، عندما قال جلالة السلطان المُعظم - حفظه الله ورعاه - : "إنَّ التطرف مهما كانت مسمياته، والتعصب مهما كانت أشكاله، والتحزب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته، نباتات كريهة سامة ترفضها التربة العُمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيباً، ولا تقبل أبداً أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق"، وقال جلالته أيضًا محذرًا من القراءات المتطرفة للدين: "وإنه لمن المؤسف حقاً أن هذا الجمود الذي أدى إلى ضعف الأمة الإسلامية، بخمود الحركة العقلية والنشاط الفكري فيها، قد أفرز في السنوات الأخيرة نوعًا من التطرف مرجعه عدم معرفة الشباب المسلم بحقائق دينه معرفة صحيحة وافية. وكان من شأن ذلك أن استغله البعض في ارتكاب أعمال العنف، وفي ترويج قضايا الخلاف التي لا تؤدي إثارتها إلا إلى الفرقة والشقاق والضغينة، لذلك ولكيلا يتخلف المسلمون ويتقدم غيرهم، فإنّهم مطالبون شرعًا بتدارك هذا الوضع، ومواكبة العصر بفكر إسلامي مُتجدد ومتطور، قائم على اجتهاد عصري ملتزم بمبادئ الدين، قادر على أن يقدم الحل الصحيح المناسب لمشاكل العصر التي تؤرق المجتمعات الإسلامية، وأن يظهر للعالم أجمع حقيقة الإسلام، وجوهر شريعته الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان"، وأضاف جلالته: "إن التزمت في الفهم الديني لا يؤدي إلا إلى تخلف المسلمين، وشيوع العنف وعدم التسامح في مجتمعاتهم. وهو في حقيقة الأمر بعيد عن فكر الإسلام الذي يرفض الغلو، وينهى عن التشدد، لأنه دين يسر، ويحب اليسر في كل الأمور، وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام إذ يقول: ((إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) وليس بعد حديث الرسول من مقال".
ولذلك كان بيان وزارة الخارجية في أسباب انضمام السلطنة إلى التحالف الإسلامي واضحًا وهو أن ذلك يأتي في سياق الفهم المشترك للدول الإسلامية، وأهمية تحقيق السلام والأمن والاستقرار في المناطق التي يسودها العنف الإرهابي المسلح.
وأضاف البيان: "أنَّ سلطنة عُمان سوف تبذل، وكما كانت على الدوام، كل الجهود مع الأشقاء والأصدقاء لتوفير بيئة إقليمية يسودها الأمن والسلام في هذه المرحلة التي يتوجب فيها تعاون كل الأطراف لتحقيقها".
إنَّ السلطنة دولة تؤمن بالسلام بين الدول، وتدعو إلى السلام العالمي، وتنبذ الإرهاب والتشدد والتطرف الديني، وترحب بكل دعوة من أجل نشر السلام في العالم، ومحاربة الإرهاب بكافة أشكاله، ولذا لم يكن مستغرباً أن ترحب جميع الدول المحبة للسلام بهذه الخطوة العمانية.