قابوس.. الإنسان والسلطان

سيف المعمري

لم يكن خبرًا مفاجئًا أن يتوّج حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- بجائزة الإنسان العربي الدوليَّة للعام 2016، والتي منحها لجلالته المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدَّولي، الذي يتخذ من العاصمة النرويجية أوسلو مقرًّا له؛ فالأعمال النبيلة السامية التي يؤمن بها جلالته، وترجمتها المنهجية العملية على المستويين الداخلي والخارجي، والذي عزز من المكانة المرموقة للسلطنة في مجال حقوق الإنسان، وتحقيق السلام والحوار البناء والتعايش السلمي وتبادل المنافع والمصالح المشتركة بين الدول.

إنّ حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي تشهده السلطنة في عهد النهضة المباركة بقيادة جلالته-أبقاه الله- وتفاعل السلطنة مع مختلف القضايا الإقليمية والدولية ووقوفها موقفا حياديا على مسافة واحدة بين الجميع جعلها أنموذجا يحتذى به، ومحل تقدير من الجميع وأكسبها ثقة المجتمع الدولي في تقريب وجهات النظر في عدد من القضايا الإقليمية العالقة، وتيسير تبادل رعايا عدد من الدول الصديقة المحتجزين في مواقع الصراعات المسلحة مراعاة لظروفهم الإنسانية، وأعطى للسلطنة رصيدًا متقدما في روزنامة منظمات حقوق الإنسان على المستويين الإقليمي والدولي.

لقد كان الإنسان العُماني ولا يزال هدف التنمية وغايتها وقد سخرت كل الإمكانيات من أجل إسعاده وتحقيق الرفاهية والعيش الكريم له وانطلقت ببزوغ فجر 23 يوليو 1970 مشاعل النور والعلم وانتشرت المدارس والمؤسسات الصحية إيماناً من القيادة الحكيمة لجلالته -أعزه الله- بإنّ بناء الإنسان وتعليمه وتثقيفه أحد أهم مرتكزات بناء الدولة العصرية.

ومع تطوّر حياة المجتمع وتداخلها مع مختلف الشعوب والثقافات وما أحدثته التكنولوجيا الحديثة في شبكات الاتصالات، أصبحت هناك حاجة لإنسان المؤسسات التي تعنى بقضايا العصر بمختلف تفاصيلها؛ من أجل مزيد من الرعاية والاهتمام وضمان لسمو الشخصية العُمانية والتزامها بالقيم الحميدة والأخلاق الفاضلة التي تعد إرثا حضاريًا للعُمانيين، ولقد توّج ذلك بإنشاء اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان بموجب المرسوم السلطاني السامي رقم (124/ 2008) لتضم تلك اللجنة ممثلين من مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة والقطاع الأهلي والتي تعنى بتشخيص أي ممارسات تعيق تقدم الإنسان وتعكر صفو العيش الكريم الذي ينعم به في ظل التشريعات العُمانية المتناغمة مع النظام الأساسي للدولة والذي نعِم فيه الإنسان بقيادة لا تفرق بين أبناء شعبها، فكلهم سواء أمام القانون، وكلهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، وحرصت حكومتنا على ضمان تمتع كل المواطنين بالعدل والمساواة في كافة الجوانب، وعلى جميع الأصعدة.

لقد حدد جلالته - أبقاه الله- في أول خطاب له ملامح عملية البناء للدولة الوليدة وأهميّة مشاركة الإنسان العُماني في مرحلة البناء فقال جلالته:" سأعمل بأسرع ما يمكن لِجَعْلِكُمْ تعيشون سُّعَدَاءِ لمستقبل أفضل وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب. كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة وإن عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة أخرى وسيكون لنا المحل المرموق في العالم العربي".

لقد انطلق جلالته مع بزوغ فجر النهضة في ربوع الوطن يتنقل بين جبالها وسهولها ووديانها فاتحا قلبه بسمو إنسانيته وبعد نظره إلى رؤى الإنسان وتطلعاته لغد أفضل، ومثلت اللقاءات السامية لجلالته بأبناء شعبه برلمانات مفتوحة لصياغة الخطط والبرامج التنموية وتتدرج تلك المشاركة إلى إنشاء المجالس الشورية العصرية والتي تمثّلت فيما بعد بإنشاء المجلس الاستشاري للدولة ثمّ مجلس الشورى فمجلس عُمان بجناحيه مجلسي الدولة والشورى، وصولا إلى المجالس البلدية في كل محافظات السلطنة.

وحقّ لنا كعُمانيين أن نفخر بقابوس الإنسان والسلطان، وحقَّ للإنسانية أن تتباهي بحكمة وسمو النبل لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، والذي سطّر للإنسانيّة جمعاء منهاجًا أكاديميا في صناعة القادة السياسيين في العالم؛ حري به أن يُدرّس في أرقى المؤسسات الأكاديمية العالمية.  

[email protected]