معركة حلب في مواقع التواصل الاجتماعي

 

 

صالح البلوشي

 

في الوقت الذي كانت تدور فيه معارك شرسة في شوارع وأحياء شرق حلب بين الجيش السوري وحلفائه والجماعات المعارضة المسلحة، التي كانت تسيطر على المنطقة منذ منتصف عام 2012؛ كانت هناك حرب طاحنة تدور في مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيدي كل طرف، وكانت الشعارات الطائفية حاضرة بقوة في هذه الحرب الإلكترونية، فالمؤيدون للحكومة السورية يبررون موقفهم بأنّ ما يحدث في سورية هو "مؤامرة دولية" تتزعمها الولايات المتحدة والغرب وبعض الأنظمة العربية لتدمير هذا البلد وتفتيت وحدته الوطنية، ويستدلون على ذلك بتدمير العراق سنة 2003 بحجة امتلاك هذا البلد أسلحة الدمار الشامل - وهو الزعم الذي ثبت كذبه بعد ذلك - ثم استمرار المسلسل بتدمير ليبيا في عام 2011 بواسطة قوات حلف الناتو والميلشيات المتعاونة معها بحجة القضاء على النظام "الاستبدادي" المتمثل في العقيد الراحل معمر القذافي، وكانت النتيجة هي سيطرة المليشيات المسلحة على هذا البلد المهدد الآن بالتقسيم، ثم تدمير اليمن عام 2011 عن طريق إشعال المظاهرات ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتدمير ما تبقى منه في الحملة العسكرية التي تقودها السعودية منذ مارس عام 2015 بحجة "إعادة الشرعية"، وإدخال مصر وتونس في الاضطرابات الأمنية منذ عام 2011 وحتى الآن، يرون أنّ الجماعات السورية المسلحة رفعت السلاح بوجه الدولة وفتحت الأبواب للمنظمات الإجرامية: كداعش والنصرة والمرتزقة. ولذا، فإن من حق الحكومة السورية الدفاع عن سيادتها وشعبها وأرضها حتى لو استعانت في ذلك بروسيا أو إيران؛ لأنها ترتبط بمعاهدات دفاع مشترك مع هاتين الدولتين.

بينما يرى الفريق الآخر أنّ ما يحدث في سورية هو "ثورة شعبية" ضد الحكم "الفردي"، وأن "الشعب السوري" لم يلجأ إلى السلاح إلا بعد ستة أشهر من المسيرات السلمية التي كانت تطالب بالإصلاح والتغيير السلمي، ويندد بالقصف الروسي للمناطق السكنية التي راح ضحيتها آلاف المدنيين العزل، ويرى كذلك أن دخول إيران والميليشيات العراقية إلى الحرب أسهم بشكل كبير في مذهبة الصراع واتخاذه بعدا طائفيا.

 الإشكالية الخطيرة في الصراع في حلب خرج من الحدود السورية إلى مناطق أخرى في العالم العربي لا علاقة لها بالحرب هناك وأخذت بعدا طائفيا خطيرا؛ فقد انتشرت الهاشتاجات في تويتر تصف الوضع في سورية بأنه حرب طائفية تستهدف أهل السنة هناك مثل: " #حلب تباد" و " #يا أمة الإسلام حلب تستغيث"، وقاد بعض الدعاة الكبار في الخليج هذه الحملة أمثال: سلمان بن فهد العودة الذي يصفه البعض بـ "المعتدل" ومحمد العريفي وسعد الدريهم ووليد الطبطبائي وغيرهم، وهم أنفسهم الذين شاركوا في هاشتاجات أخرى سابقا، مثل: "الفلوجة تستغيث"، و"#الرمادي تستغيث"، و"#الموصل تذبح" وغيرها، مع العلم أن هؤلاء الدعاة لم يحرّكوا ساكنا ولم نسمع عنهم أية كلمة، أو نقرأ لهم تغريدة واحدة عندما كانت داعش تجتاح الموصل والأنبار والرقة ودير الزور وترتكب أفظع الجرائم ضد الشعبين السوري والعراقي، فأين كانوا؟ وهل الموصل تستباح فقط عندما تريد القوات العراقية تحريرها من الإرهاب؟ وهل حلب تُباد عندما تمارس الحكومة السورية حقها القانوني في تحريرها من الجماعات المسلحة؟ ألم يصف هؤلاء الاجتياح الداعشي للموصل والأنبار في العاشر من يونيو الأسود سنة 2014 بثورة عشائر العراق؟

وفي جانب آخر رُفعت أيضا شعارات لا تمت إلى أحداث حلب بصلة، فقد نقلت وكالات الأنباء يوم الجمعة الماضي عن إمام صلاة الجمعة المؤقّت في طهران آية الله إمامي كاشاني تعليقا على معركة حلب التي انتصر فيها الجيش السوري قوله: "الحمد الله لقد انتصر المسلمون على الكفر من أتباع السفيانيين والدّجالين"، وأفادت وكالة مهر الإيرانية للأنباء عنه أنه أكد في الخطبة "أنّ الفوضى والعبث في العالم يعود إلى سببين رئيسيين"، مضيفا أنّ السّبب الأوّل: هو الدّجّال، والثّاني: هو السّفياني. فالأول وحسب الأحاديث المتواترة فإن الدجّال هو الكافر، والسّفياني هو من ينسب نفسه إلى الإسلام زورًا، فالسّفياني يتواجد في البلاد الإسلاميّة، والدّجال يتواجد على الخريطة الدّولية"، وتابع "أن وقوع السّفياني في أحضان الدّجال هو ما يحدث الفوضى في العالم الإسلام". لقد نظر الشيخ كاشاني إلى أحداث حلب وفق رؤيته المذهبية وقام بتوظيف بعض الروايات الموجودة في التراث المذهبي عن الأحداث التي تحدث في آخر الزمان مثل ظهور شخصيات السفياني واليماني والدجال وغيرها وأسقطها على أحداث حلب.

هذا الاصطفاف الطائفي من الجانبين سواء في القنوات الفضائية أو مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر انتقل وللأسف الشديد إلى كثير من مجموعات "الواتس آب" التي انشغلت خلال الأسبوعين الماضيين بمتابعة ما يحدث في حلب وأصبح حديث الساعة لديهم وأصبحت الاتهامات بالطائفية والصفوية تلاحق كل من لا يؤمن برأي الآخر، مما يؤكد الدور الخطير الذي تمارسه بعض القنوات الفضائية في تحريف الوقائع وتشويه الأحداث، كنشر مئات الصور من أماكن مختلفة في العالم والزعم بأنها حدثت في سورية على يد الجيش السوري وحلفائه، وتصوير النزاع هناك بأنه حرب سنية/ شيعية، مع العلم: أن القوات الروسية التي تقصف الجماعات المساحة لا علاقة لها بالمذاهب الإسلامية وإنما دخلت الصراع من أجل مصالحها الاستراتيجية كبقية الدول الأخرى المشاركة في النزاع بشكل مباشر أو غير مباشر، وأنّ الحرب في سورية هي حرب بين مصالح دول وأما الطائفية فتركوها للطائفيين وأتباعهم لتوظيفها مجانا لمصالح هذه الدول.