جندي مجهول في مدارسنا

 

 

عبدالله العجمي

 

خَلْفَ كلِّ مشهدٍ جميلٍ في إحدى زوايا هذا الوطن، هنالك جنودٌ مجهولون يعملون بصمت في الخفاء لإبراز هذا المشهد كأجمل ما يكون.. جنودٌ يعيشون وسط مُجتمع لا يعرف كيف يروج ويظهر مبدعيه ومبتكريه؛ فهناك الكثيرُ منهم لا يزال يقدِّم ويبذل ويُعطي دون انتظار كلمة شكر، وربما الكثير منا يغفل الدور المهم لأمثال هؤلاء الجنود في تصحيح المسارات وبناء الأوطان. ومن بين أهم هؤلاء الجنود في مجتمعنا العُماني هو الإخصائي الاجتماعي بالمدرسة.

إنَّ الخدمة الاجتماعية (Civil Service) كمصطلح اجتماعي حديث يُعتبر مصطلحاً متشعباً وذا أدوار لا حصر لها؛ فقد تمَّت إضافته إلى قواميس المصطلحات في مُقتبل القرن العشرين؛ إذ عرَّفته الأمريكية "ماري ريتشوند" مُؤسِّسة علم الخدمة الاجتماعية بأنه "المهارة العلمية للقيام بأشياء مختلفة لصالح أشخاص، وبالتعاون معهم للارتقاء بأحوالهم وبظروف مجتمعهم في آن واحد". ثم تطوَّر هذا المصطلح ليشمل العلميات العلمية التي تنمِّي الشخصية من خلال علميات التكيُّف لكل فرد على حدة، بين الأشخاص وبيئتهم الاجتماعية.

ويلعبُ الإخصائي الاجتماعي دوراً مهمًّا جدًّا في التقليل من حدّة الكثير من المشكلات التي تُصادف الطلاب، مُحاولاً النهوض بمستوى الطالب عن طريق محاولة تذليل الصعاب أمامه. وكلما زادت حِدَّة رياح التغيير في المجتمع، ظهرت أهمية الدور الذي يقوم به. ولا ينحصرُ دوره على نطاق المدرسة وحدها؛ فهناك الكثيرُ من المجالات التي يستطيع أن يلعب فيها دوراً ملموساً تبعاً لعملية تطور المجتمع وتعدد مظاهر نشاطه الحيوي.

ويكاد يكون هذا الجندي المجهول بالمدرسة مرتكزاً أساسيًّا يُساعد الهيئة التدريسية على أداء رسالتها التربوية والتعليمية، وله الدور الأكبر خاصة في عمليات التأقلم الاجتماعي لأي بيئة مدرسية سواءً جديدة أو قديمة، محاولاً بذلك أن يزداد ويتحسن مستوى الأداء الطلابي على كل المستويات ابتداء من الطالب إلى الصف وصولاً للمدرسة على نطاق أشمل.

ولا نبالغ إنْ قُلنا إنَّ مهام الإخصائي الاجتماعي وخصائصه تتمحور وتدور حول نواة أساسية وهي الطالب وتدور في فلكها بقية المهام والاختصاصات؛ فطبيعة عمله تتمحور حول دراسة ومعالجة المشاكل النفسية والاجتماعية والتربوية وغيرها للطلاب؛ سواءً داخل المدرسة أو خارجها على حدٍّ سواء، ومُتابعة حيثياتها طول فترة وجود الطالب في المدرسة. ولعلَّ أهم وأبرز ما يواجهه من تحديات وصعوبات هو عدم فهم وتقدير دوره الحيوي في سير ونجاح العملية التربوية؛ مما يُمكن أن يؤدي إلى تجاهل هذا الدور، وعدم إبداء التعاون معه ليشكِّل ذلك هوَّة في مُحاولته ربط مشكلات الطالب بالمدرسة بالمشكلات الأسرية والعكس.

وإذا ما سُلِّط القليل من الضوء على  الإخصائي الاجتماعي بمدارسنا، وإعطائه زخمًا من الاهتمام الذي يليق به، فلربما يُسهم ذلك في إبراز دور هذا الجندي المجهول؛ فدوره مُختلف نوعاً ما عن أدوار بقية أعضاء الهيئة التدريسية، ذلك الدور الساميٍ لا محدود المهام. ولا نُبالغ إنْ وصفنا هذا الدور باللامتناهي؛ إذ لا بداية لعطائه ولا نهاية لبذله؛ فهم من يَسْتَحق أن تُخصَّص لهم مساحات الاحترام والتقدير، وهم مصدرُ اعتزاز لخدمة الوطن بلا ريب.. فهلُمَّ نَسْعَى ولو بالقليل من الجهد لإبراز دوره وتقدير رسالته واستيعاب فلسفة الخدمة الاجتماعية؛ فهذا أقل ما يُمكن فعله لرد الجميل لهذا الجندي المجهول. ولنتخيَّل كيف ستُصبح نفوس هؤلاء الجنود المجهول قدرهم إنْ حاولنا -مُجرَّد مُحاولة- التفكير في أسلوب يقدِّر دور رسالتهم الراقية.

abdullah-alajmi@hotmail.com