حميد بن مسلم السعيدي
عُمان على مقربة في نهاية هذا العام من عُرس ديموقراطي جديد يتعلق باختيار أعضاء المجالس البلدية، وتوظيفاً للتوجيهات السامية لمولاي حضرة جلالة السلطان قابوس بن سعيد، بشأن مشاركة المواطن العُماني في التنمية الشاملة في البلد، وتأتي هذه المناسبة والوطن يحتفل بمرور ست وأربعين عاماً من عمر النهضة المباركة، والتي كانت حافلة بالإنجازات الوطنية في كافة القطاعات والمجالات، مما يُعطي دلالة على مستوى الرقي الفكري والحضاري لدى الإنسان العُماني، فالمنظومة الديموقراطية أصبحت اليوم جزءًا من حياتنا ويمارسها المواطن بصورة أكثر نضجاً في اختيار الأعضاء والكفاءات الوطنية في المجالس البرلمانية.
فبعد أن حققت الدورة الأولى للمجالس البلدية العديد من النجاحات على مستوى المحافظات الإدارية، تبدأ الدورة الثانية باختيار الأعضاء للمجالس البلدية عبر يوم ديموقراطي يأتي تجسيداً لأهمية الشراكة الحقيقية بين المواطن والحكومة، وهدفها للأخذ بالآراء والاستفادة من الخبرات والإمكانيات البشرية، وتسخيرها في عملية البناء العمراني والتعليمي والاجتماعي والاقتصادي، وهذا التنوع كان له الكثير من الإيجابيات التي أتاحت الفرصة للمُشاركة الوطنية مما أثمر الكثير من الشواهد التي تدل على العمل الحقيقي، وأتاحت الفرصة الأكثر ليصبح المواطن محل الثقة والجدارة في مقدرته على إبداء الرأي وتقديم المقترحات ورفع التصورات التي تُسهم في رفد الحركة التنموية بأفكار بنائية وفاعلة.
واليوم الوطن على موعد جديد مع بناء منظومة جديدة واختيار الكفاءات الوطنية القادرة على تمثيل الشعب بصورة إيجابية ومنهجية ووفقاً لمجموعة من المعايير التي يتم في ضوئها اختيار أعضاء المجالس البلدية، والتي تمثل جزءًا أساسيًا من المنظومة الوطنية، وهي بلا شك في تجربتها الأولى حققت الكثير من النجاحات على مستوى الوطن، إذ أثبتت نضج الفكر الديموقراطي لدى المواطن، من حيث نسبة المشاركة، إلى جانب أنّها أوجدت الرؤية الحقيقية للشراكة بين مؤسسات الدولة والمواطن، وذلك برفع التوصيات وتقديم المقترحات والآراء بكل ما يتعلق بالمشاريع التنموية بالبلد.
ويسبق موعد الانتخابات قيام المرشحين بالدعاية الانتخابية والتي يسعون من خلالها للوصول إلى الناخبين والعمل على إقناعهم بأهدافهم وطموحاتهم ورؤيتهم المستقبلية للعمل من أجل عُمان، وهي تمثل ظاهرة حضارية تنافسية تسعى إلى إضافة نوع من الحداثة على الحركة الديموقراطية بالبلد، وتأتي هذه الدعاية الإعلامية في ظل منهجية فكرية حديثة تركز على مجموعة من الأسس التي يتوجب على المرشح الالتزام بها حتى تظهر بصورة أكثر رقياً، وكلما استخدم المرشح أكثر من وسيلة في الدعاية كلما كان أكثر قرباً من المواطن، مما يجعله يقترب من تحقيق الحصول على أعلى الأصوات، وتعتبر الدعاية الانتخابية ذات تخطيط عالي المستوى وتحتاج إلى عمل جاد يهدف إلى توضيح الأفكار وتغيير القناعات والاتجاهات الفردية، لذا فإنَّ هذه الحراك الإعلامي هو جزء من نجاح المنظومة الديموقراطية وهي ظاهرة إيجابية تمثل الطريق الحقيقي للوصول إلى صناديق الاقتراع.
وتركز الدعاية الانتخابية على مجموعة من الأساليب الدعائية والتي يجب أن تستخدم وفقاً لقواعد ووسائل وإجراءات الدعاية الانتخابية والتي من خلالها يسعى المرشح للوصول إلى الناخبين، وتتنوع هذه الأساليب بين استخدام اللوحات الإعلانية، واستخدام المواد الإعلانية (المطبوعات)، واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، ونشر الإعلانات في الصحف المحلية، وعقد اللقاءات مع الناخبين، وتأتي هذه الوسائل الدعائية كأحد الإجراءات الحديثة والتي تُعطي العملية الانتخابية دعمًا وناجحاً، كما أنَّها تمثل ظاهرة حضارية ديموقراطية تعطي للمجتمع العُماني فكراً تقدمياً راقياً، يعبر من خلالها عن مستوى تقدمه وتطوره، لذا فإنَّ على المُرشحين أن يستخدموا العديد من هذه الوسائل بغية الوصول إلى الناخبين، وكلما كان هناك استخدام هادف وناجح كلما كان أكثر مقدرة على إقناع المجتمع بالرؤية وأهداف المرشحين، لذا فإنّ هذه الظاهرة تعتبر ظاهرة تنافسية إيجابية بين المرشحين للمجالس البلدية، يجب أن تستغل بصورة إيجابية بما يمكنهم من الوصول إلى القناعات الشخصية للناخبين، وعلى المرشح أن يكون واعياً وهادفاً في رؤيته الانتخابية على ألا تخرج تلك الدعاية الانتخابية عن اختصاصات المجلس، إلى جانب عدم الذهاب بعيداً بالمجتمع وتقديم الوعود الواهمة والتي لا تكون بأيديهم، وهناك قواعد تنظم هذه العملية خاصة وأن الحماس الدعائي أحيانًا يكون مؤثراً وقد يذهب بالمرشحين بعيداً فالتنافسية يجب أن تكون راقية بأسلوبها ونمطها الحديث.
ثم إنِّ المسؤولية الوطنية يجب أن تكون حاضرةُ لدى الناخبين، بحيث يتم اختيار الكفاءات الوطنية التي يكون لها التأثيرات الإيجابية في المسيرة التنموية، لأننا بحاجة إلى أن يكون المواطن عنصراً بناءً يقدم الرؤى ويبتكر المشاريع، ويبدع في التطوير الاقتصادي، لأننا نعيش مرحلة تعتمد على المنافسة والقدرة على الثبات والاستمرار في التطوير، بما يمكننا في المستقبل أن تكون لنا الريادة في الإنتاج الصناعي المُتقدم، لذا فإنَّ المواطن يتحمل المسؤولية الكبيرة في اختيار المرشحين المؤهلين لهذه المناصب البرلمانية، والتي يجب أن تتمتع بالحس الوطني، والتواصل الاجتماعي مع المجتمع، والقادرة على رفع التوصيات والمقترحات البنائية التي تمكن الحكومة من توفيرها وفقًا للظروف الاقتصادية للبلد، والعمل على دعم المجتمع وإقامة المشاريع الهادفة التي تسهم في توفير الخدمات الأساسية للمواطن، لذا فإنّ اختيار هذه الشخصيات يجب أن يمر عبر المعايير الوطنية التي يصيغها المواطن من أجل المصلحة الوطنية، بعيداً عن المؤثرات القبلية أو العلاقات الاجتماعية أو المصالح الشخصية، وذلك من أجل تحقيق أهداف الشراكة الحقيقية للمواطن مع الحكومة في التخطيط والتنفيذ للمشاريع التنموية للبلد، لذا فإنّ هذه الشركة لابد أن تنبع من خلال اختيارات الكفاءات المخلصة، ويجب على الناخبين أن يدركوا جيداً أن تحقيق الأهداف الوطنية قائم على مدى امتلاكهم للمسؤولية الوطنية المناطة إليهم لاختيار المرشحين وفقًا للمصلحة الوطنية، وعلى العكس من ذلك فالاختيارات التي تأتي نظراً لتأثيرات معينة فإنها لن تحقق إلا مصالحها الخاصة، وتصبح مصلحة الوطن ثانوية، حيث لابد من تواجد الصورة البرلمانية الحقيقية القائمة على اختيار الأكفأ والأجدر بهذا المنصب الوطني، لأننا نعي جيداً أن مستقبل هذه الوطن قائم بالاعتماد على الكفاءات الوطنية فلنكن عند تلك الثقة السامية في يوم تاريخي برلماني وطني بالدرجة الأولى.