خريجة الترجمة وضرورة إصلاح التعليم

 

 

د. سيف بن ناصر المعمري

 

قُمت منذ أسبوع بعمل اختبارٍ لتوظيف إحدى خريجات الجامعات الخاصة في تخصص الترجمة وهي كانت في الترتيب الثالث على دفعتها وقد قلت لها هل أنت مُتمكنة في اختصاصك، فأجابتني بكل ثقة نعم، قلت لها سوف أخضعك لاختبار عملي بسيط، وبعد ذلك أحكم على مستواك، ولكي أكون صريحًا لم يساورني أدنى شك في تمكنها ولكني قلت لنفسي لن أخسر شيئاً إن أرسلت لها نصًا بسيطاً لكي تقوم بترجمته، وأقطع بذلك الشك باليقين، وأرسلت لها النص وقامت بما طلب منها وسلمت العمل ولكني وجدت ترجمة بها أخطاء في اللغة، فكيف بمضمون الترجمة، فقررت أن أذهب إلى أستاذ أكاديمي متخصص في الترجمة وقلت له أُريد منك أن تنظر إلى نص مُترجم، فقال لي هل المترجم متخصص فأجبته بالنفي، وأخذ العمل ليومين وعاد لي ليقول إنّ الترجمة ضعيفة جداً، فقلت له هل أنت متأكد مما تقول؟ فقال لي أنا متأكد خاصة إذا كان المُترجم غير متخصص، عندها قلت له لكني لم أقل لك الحقيقة هذا النص قامت بترجمته خريجة ترجمة هي الثالثة على دُفعتها، فردَّ عليّ هذه مصيبة يا صديقي، مصيبة إن كان خريج الترجمة لا يتمكن من ترجمة هذا النص البسيط، ماذا يدرسونهم؟، قلت له لا تطرح عليَّ أنا هذا السؤال الاستنكاري، ولكن دعني أكمل لك المشهد التراجيدي حول هذا الأمر فقال لي: هات ما عندك ولن استغرب شيئاً بعد أن وقفت بنفسي على شاهد من الشواهد التي أسمع عنها ولكن كنت أشك فيما أسمع، قلت له طلب من خريجة أدب إنجليزي في اختبار للتوظيف أن تكتب رسالة من صفحة ونصف الصفحة، لكنها عجزت أن تكتب أكثر من فقرتين مليئتين بالأخطاء، فأجابني نحن وصلنا إلى مرحلة خطيرة جدًا في تدني جودة التعليم، وأرى أنَّ تدخلاً عاجلاً أصبح ضروريًا لبناء خريطة إصلاح للتعليم.

 

أكتب هذا المقال عشية استضافة مجلس الشورى لمَعالي الدكتورة وزيرة التعليم العالي، المرأة الأكثر تأثيرًا في شؤون التعليم بحكم تواجدها في أكثر من مجلس ولجنة وهيئة معنية بصناعة سياسات التعليم وبرامجه واعتماده والرقابة عليه، ولا أتصور أنَّ هناك أحداً يملك تحريك خيوط التعليم كما تملك معاليها، ولذا أتوجه في هذا المقال بخطاب معاليها لفتح مجالس حوار معها حول أوضاع التعليم من أجل البناء على شيء مُشترك نعمل عليه لتطوير التعليم والنهوض به على اعتباره قاطرة للنهوض بالاقتصاد وتقليل نسب بطالة الخريجين، وتهيئة العقول العمانية للإبداع والابتكار وتحويل مؤسسات التعليم العالي إلى مؤسسات للابتكار والإنتاج بدلاً من أن تكون مؤسسات تضخ للبلد خريجين عاجزين معرفيًا ومدنيًا.

 

لقد كتبت عشرات المقالات وعقدت عشرات الندوات حول إصلاح التعليم في السنوات الماضية، ولكن ما قلل من تأثيرها في النهوض بالتعليم هو عدم التوافق حول نقاط مُحددة يمكن أن يبنى عليها الإصلاح، وصور البعض بأنه صراع بين مؤسسات وخبراء يبالغون في تقييمهم لواقع التعليم، ولذا أضعف مثل هذا الاعتقاد من الفُرص السانحة للقيام ببعض الإصلاحات تمهد الطريق الطويل للنهوض بالتعليم، ولذا أرى أننا في حاجة ماسة لإزالة مثل هذه المعتقدات والبدء في إقامة مختبرات لرسم معالم التعليم الذي نريده للمستقبل، ومعالي الدكتورة تمتلك الوضع المؤسساتي الذي يمكنها من فتح حوارات موسعة للنهوض بالتعليم العالي، وأرى أن تأخر فتح مثل هذه النقاشات سوف يُضاعف من مشكلات التعليم العالي وهي عدة تشريعية ومؤسساتية وتمويلية وبشرية ونوعية مرتبطة بالجودة، إنّ فتح حوار لن يمثل قراراً للاعتراف بالضعف . إنما هو قرار وطني ستُقدره قطاعات وطنية عدة تتطلع إلى تعليم يعد إنساناً عمانياً قوياً بما يعزز من رأس المال البشري، هذا القرار سيعبر عن رغبة حقيقة لبناء تحالف مؤسساتي شعبي لدعم سياسات إصلاح التعليم، فلا أعتقد أنّ هناك أحداً في البلد أياً كانت صفته سيكون سعيداً بتزايد عدد الخريجين ممن يكونون بمستوى خريجتي الترجمة والأدب الإنجليزي اللتين سبقت الإشارة لهما في الأعلى.

 

إنني أود أن أوكد لمعالي الدكتورة وآخرين أننا كخبراء في مجال التَّعليم حين نكتب باستمرار عن إشكاليات التعليم وضرورة إصلاحه فإننا ننطلق في ذلك من دوافع وطنية، ولن نكون لا نحن ولا أنتم سعداء حين يتزايد عدد الخريجين ممن لا يتمتعون بمستوى يعدهم لاجتياز أية اختبارات تجرى لهم بعد التخرج، لأنهم يمثلون واجهة عُمان الحديثة التي رفع قائدها شعارًا يُعبر عن التحدي في مجال التعليم حين قال المهم هو التعليم حتى لو تحت ظل الشجر، القائد الذي قال منذ ستة عشر عاماً في الجامعة نُريد المعرفة الحقيقية، وبالتالي يا معالي الدكتورة لابد أن نعتقد أنَّ هناك حسن نوايا وراء كل هذا الضغط في ملف التعليم، ومن ثم نبني على ذلك حوارات حول التعليم، أما إذا ظللنا نعتقد بوجود سوء نوايا تحرك الذين يطالبون بإصلاح التعليم، فإنَّ ذلك سيكون الصخرة التي تتحطم عليها كثير من فرص النهوض بالتعليم.