السياسات العالمية وتحوُّلاتها.. إلى أين؟

 

 

عبدالله العليان

حضرتُ الأسبوع المنصرم في العاصمة القطرية الدوحة "مؤتمر السياسات العالمية التاسع"، والذي نظَّمته وزارة الخارجية القطرية بالتعاون مع المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، والذي كان برعاية رئيس الوزراء القطري، وبمشاركة كبيرة عربية ودولية كبيرة من سياسيين ومفكرين وخبراء في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية؛ حيث نوقشت العديد من الملفات المهمة الراهنة، عربيًّا وعالميًّا.

واتَّسمتْ الجلسات بالمصارحة والمكاشفة في كل القضايا المطروحة، من الخبراء والمختصين المشاركين في هذا المؤتمر، كمستقبل الشرق الأوسط، ومرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية، والأخلاقيات والتحول التكنولوجي، ودور تركيا الأوروبي والدولي، والتحول التكنولوجي والعقد الاجتماعي الجديد، والاقتصاد، والمناخ، والأمن، والإرهاب...وغيرها من القضايا التي طُرحت في المؤتمر، وكانت بحق حوارات ومناقشات جادة بعيداً عن اللغة الدبلوماسية المعتادة، خاصة وأنَّ الأوضاع الراهنة عربيًّا ودوليًّا تستلزم المكاشفة واقتراح الحلول الناجعة ووضوح الرؤى وهذا ما تحتاجه الإنسانية في راهنها. والحقيقة، أنَّ مستقبل الشرق الأوسط، ومرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية، حظيتا باهتمام كبيرين، سواء من الذين شاركوا بأوراق في المؤتمر، أو الذين تداخلوا كمعقبين على هذه الأوراق المقدمة، وقد كانت كلمة رئيس الوزراء القطري في المؤتمر في صميم القضايا المطروحة؛ حيث شديد على ضرورة النظر في المخاطر القائمة؛ حيث إنَّ "عالمنا المعاصر يعيش مرحلة غير معهودة، يزخر بالتحديات الجسيمة التي تواجه الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة في ظل استمرار اختلال النظام العالمي الذي يعاني من ازدواجية المعايير في معالجة قضايا الشعوب"، وهذا بلا شك مربط الفرس، كما تقول الأمثال، فالشرق الأوسط يعيش منذ ما يزيد على ستة عقود، وفي ظل قرارات دولية لا يتم تطبيقها بعدالة ونزاهة على الجميع، مما أوجد كثيراً من المشكلات والتوترات والنزاعات، وهذه نتيجة لازدواجية المعايير والمقاييس المتناقضة؛ فالنظام الدولي أصبح متوارياً عن المواجهة العادلة والجادة، لكل القضايا العالقة والخافتة؛ مما جعل مصداقية هذه المنظمة الدولية محل تشكيك وارتياب عند الكثيرين، خاصة في المنطقة العربية، وهذا أعطى الفسحة للبعض -ومنها دول كبرى- تطلق العنان لنفسها للممارسة غير القانونية؛ ولذلك فإنَّ غياب العدل وتطبيق القرارات الدولية، أسهم في زيادة التوترات والصراعات المتتالية، فلا يمكن أن يعم الاستقرار والسلام والوئام، في ظل هذه المعايير المزدوجة، وسياسة المحاور التي ربما تعيدنا إلى الحرب الباردة في غياب العدل ورفع المظالم، وقد وجدت في كلمة جان مارك آيرولت وزير الخارجية والتعاون الدولي بالجمهورية الفرنسية، الذي قال "إنَّ استقرار منطقة الشرق الأوسط وتحقيق السلام والأمن لن يتم إلا عبر حل عادل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصة وأن الوضع الحالي يتدهور يومياً، والاستيطان يستمر، في ظل غياب لأفق الحل السياسي، مما يغذي الإحباط، وينذر بدفن حل إقامة الدولتين". وهذا القول يفترض أن يتم تطبيقه على أرض الواقع لأنه سيسهم في توطيد الاستقرار الذي تنشده الشعوب والمجتمعات، وهو الوسيلة الطاردة للتطرف والغلو والتكفير الذي تعاني منه دول كثيرة، والإشكالية أننا نسمع بعض التصريحات من مسؤولين كبار في الغرب، تتحدث عن القضية العادلة للشعب الفلسطيني، لكنك لا تجد تحركا قويا، لما وضعته المنظمة الدولية من قرارات منذ احتلال فلسطين منذ عام 1948، فاستقرار الشرق الأوسط، وتطبيق القرارات الدولية على الجميع دون مكاييل متناقضة، هو الحل السحري لكل التوترات، ولاشك أنَّ هذا المؤتمر من خلال المشاركين فيه، الذين يمثلون صفوة الخبرات السياسية والاقتصادية والإستراتيجية، تسهم في أخذ رؤيتهم فيما يدور في الساحة الدولية، واستشراف المستقبل، خاصة الشرق الأوسط، الذي يعتبر بحق النقطة المحورية الراهنة للسياسات الدولية، سواء في قضايا الصراعات والتوترات الراهنة، والإرهاب، أو في مسألة الأزمة الاقتصادية العالمية، أو الاستقرار السياسي في دول كثيرة؛ فالشرق الأوسط يحتاج أول ما يحتاج إليه الاستقرار والسلام، والإسهام الجدي من المجتمع الدولي في إبعاده عن الحروب والتوترات والصراعات، فما يجري في هذه المنطقة ستتأثر به أوروبا وآسيا وإفريقيا سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا؛ فالعالم اليوم عالم مُتشابك، فلا مفر من هذا القرب التكنولوجي والفكري والاقتصادي، ومن هنا لابد من التحرك لتقليص الأزمات والتوترات، إذا ما أردنا أن تنعم الإنسانية بالاستقرار والسلام والتقدم.. لكن لماذا أوروبا متوجسة من فوز دونالد ترامب؟ وللحديث بقية.