الحرب الداخلية

 

د. عبدالله باحجاج

تابعنا عن قرب الجريمة الكبيرة التي اكتشفتها هيئة حماية المستهلك، فرع صلالة، الأسبوع الماضي، فهي تضيف إلى أرصدة الهيئة منذ إنشائها عام 2013 حتى الآن؛ لا نقول إنجازات عظيمة ولا حتى إعجازات مخترقة، لأنّها قد أصبحت مستحقة ومتتالية؛ بل مخزون تراكمي من العواطف والمشاعر المتضامنة تجاه ما يقوم به سعادة الدكتور الكعبي رئيس الهيئة، وكل بطل من أبطال الهيئة في كل فروعها دون استثناء.. حفرتم أيها الأبطال تلكم العواطف والمشاعر في نفسيات المواطنين؛ ليس نتيجة علاقة قربى ولا مصالح شخصية تحققونها بل إنّكم تجاهدون من أجل حق المجتمع في الحياة وحقه في الصحة المستدامة.. حاربوكم المتنفذون سابقًا ويحاربونكم حاليًا ففشلوا وسيفشلون، ذهب السابقون وأنتم بقيتم، وسيذهب كل من يحاربكم من اللاحقين وستبقون.. إنّكم شُرِّفتم من لدن قائد هذا البلاد -حفظه الله ورعاه- بقيادة حرب داخلية ضد كل من يمس حق المجتمع في الحياة والصحة، وياله من شرف في الدنيا والآخرة! فهل نقف معكم أم ضدكم أو نظل صامتين؟

والتلويح هنا بحقي الحياة والصحة له دلالته في القضية التي اكتشفها فرع صلالة مؤخرا كغيرها من التي تكتشف من قِبل الهيئة في كل فروعها المنتشرة في الولايات، حيث تمكن هذا الفرع من ضبط عمالة وافدة آسيوية تقوم بذبح أبقار مريضة، وبيع لحومها للمستهلكين، وزمن ومكان الضبط أكبر الاستدلالات التي تعطينا مشروعية إطلاق مثل تكلم الألقاب سالفة الذكر، إنّه كان في ساعات الصباح الأولى من الجمعة وفي إحدى المزارع في صلالة البعيدة عن الأنظار اعتقادًا من هؤلاء المجرمين أنّهم سيكونون في منأى عن الأجهزة الرقابية بسبب العطلة الأسبوعية غير أنّهم وقعوا في شر أعمالهم وبعد الفحوصات الطبية الرسمية اكتشف أنّ البقرة المذبوحة تعاني من حالة تسمم شديدة وأن اللحم المعد للبيع والتوزيع غير صالح للاستخدام الآدمي وتنتشر فيه الدودة الشريطية في جميع أجزاء جسمها، أتدرون التداعيات الصحية لكل من يأكل مثل هذه اللحوم؟ إنّها تسبب آلاما حادة في البطن وتسبب الإصابة بفقر الدم وخسارة الوزن والتعب العام والارهاق والأرق وعدم المقدرة على النوم، ومثل هذه الأعراض يعاني منها الكثير من المواطنين الآن.. هل هذا يعني أنّ الدودة الشريطية قد أصبحت ظاهرة في الحيوانات؟ وهل بيع لحوم الحيوانات المصابة بالدودة الشريطية قد تحولت إلى حرفة للعمالة الوافدة؟ هل بسبب بطالتهم أم وجدوا فيها مهنة مربحة، لابد أن نذهب بالقضية إلى هذه المستويات الافتراضية ففقر الدم والتعب والارهاق العام.. منتشرة في المواطنين وبنسب مقلقة ولا يدرك المجتمع خطورتها، وهناك حالة اللاوعي بها، وقد جاءت الجريمة الجديدة وتقاريرها الطبية لتضعنا أمام أحد الأسباب المهمة جدا التي تؤدي إلى تلك الأعراض فكيف ستتبع الجهات الحكومية المختصة هذه القضية من المنظور الصحي؟ نتمنى أن تعمل دراسات من قبل جامعة السلطان قابوس حول تلك الأمراض أسبابها وواقعها، كما أننا نقترح كذلك إصدار قانون محلي عاجل مشدد بعقوبات رادعة يمنع منعا باتا ذبح الحيوانات خارج المسالخ الرسميّة وكذلك منع دخول اللحوم للأسواق ما لم تحمل ختم المسلخ وتاريخه، وهذا يحتم في المقابل زيادة المسالخ وفعالية الرقابة على هذه الأسواق من كفاءات متخصصة. كما نقترح زيادة أطر وكوادر الأجهزة الرقابية سواء في هيئة حماية المستهلك أو الادعاء العام أو شرطة عمان السلطانية، وهنا ينبغي أن نوجه لهذين الشريكين كل التقديرات والشكر لجهودهم مع الهيئة في حروبهم التضامنية ضد المجرمين؛ فلولا هذه التضامنية الديناميكية والتفاعلية ما كانت تظهر لنا مثل هذه النجاحات، لكن هذه الجهود تحتاج لدعم كبير؛ فما يتم اكتشافه ليس بالضرورة أن يكون كل ما يحدث تحت السطح، وقد يكون جزءا من كثير غير مكتشف.

قدركم أيّها الأبطال أن تكونوا في مثل هذه المواقع المتقدمة للحرب الداخلية، ومعكم أبطال الادعاء العام وشرطة عمان السلطانية دفاعا وتأمينا عن حق مجتمعكم في الحياة وحقهم في الصحة ضد من لا ضمائر عندهم ولا حتى ذرة إيمان، فجهودكم لم تخف أو تخفف من وهجها وقف الترقيات ولا التلويح بوقف العلاوات السنوية ولا رفع رسوم الخدمات والضرائب ولا بقلة امتيازاتهم المالية والمعنوية ولا طبيعة ظروف عملهم.. كما إنّ ضمائركم لم تقبل النفع الخاص وقد عرض عليكم سرًا وجهارًا فأبيتم سوى النضال من أجل حقي الحياة والصحة لكل المستهلكين كتبنا الكثير من المقالات عنكم بعد أن بهروتنا بعقلانية متناهية بما يقومون به من حروب على مدار الساعة وحتى في الإجازات الأسبوعية والأعياد المختلفة ضد المتاجرين بلقمة الشعب واللاهثين وراء الربح على حساب صحته، وما اكتشافات الهيئة فرع صلالة الأسبوع الماضي إلا إحدى النتائج المبهرة المدهشة التي ينبغي الإشادة بها، والتي يشرفنا أن نكتب عنها لعلنا نحتسب معهم أو ينالنا الأجر من الوقوف معهم.

فعلا إنّ الأوطان لا تبنى إلا بسواعد أبنائها، وهي مقولة عاهل البلاد -حفظه الله- لكن أي أبنائنا؟ هم الأقحاح الذين لم يفسدهم الدهر، ولم يرتموا في أحضان الفساد ولم تحتويهم الأجندات الإقليمية والعالمية، وقد آن الأوان لتمكين العنصر الوطني/ القح/ المسؤولية في بلاده وبالذات الآن التي تفرضها تقليص موارد الدولة بسبب الأزمة النفطية والحاجة الوطنية العاجلة في توظيف المتوفر من الموارد في مساراتها الصحيحة دون المساس بالثوابت المحرمة؛ وهي الآن مستباحة لماذا؟ أيضًا التساؤل سيظل عالقًا لكن الإجابة كذلك في السياقات التحليلية الأخيرة.

نجدد للمرة المليون شكرنا وتقديراتنا لكم يا سعادة الدكتور الكعبي ورجالات الوطن الأقحاح الأوفياء على جهودكم العظيمة، أثبتم للمتشككين والمتنفذين الذين يحاربونكم أنّ الهيئة لم تكن معرقلة للنشاط التجاري؛ بل ضامنة لحقوق التجار والمستهلكين معًا، والدليل نمو تجارة التجزئة بنسبة (8 %) فلو كنتم كما يزعمون لما كان هذا النمو؛ ومع ذلك كسبتم المجتمع، كما تساهمون مع شرطة عمان السلطانية في ديمومة حقنا في الحياة، وحقنا في العيش دون إصابات وعاهات؛ وذلك من خلال رقابتكم المستمرة على الأسواق العالمية، فمنذ إنشاء الهيئة تمّ سحب أكثر من ثلث السيّارات المستوردة إلى بلادنا لوجود مجموعة عيوب تصنيعية قاتلة فيها أو مسببة للحوادث دون أي خطأ بشري؛ مما ترتب عليه مع أسباب أخرى يرجع الفضل فيها كذلك لشرطة عمان السلطانية خفض نسبة الحوادث إلى (38 %).. الأمثلة كثيرة فهل آن الأوان لاختيار العمانيين الأقحاح أصحاب الضمائر الحية والمتمسكين بوطنهم وقيمهم في المسؤوليات الوطنية؟ سلّموهم.. وانتظروا النتائج.