مسالمون.. حد التطرف!

 

عبد الله العجمي

من أهم المقاييس التي تقاس بها الدول والشعوب هو إنسانياتها وواقعيتها واحترامها للغير ومدى انسجام وتجانس الطوائف والأعراق فيها.. وبالإمكان ترجمة هذه النتائج واستقرائها في وعي المجتمع الثقافي وقدرته على التعاطي الإيجابي مع سياسة وخطط المؤسسات الرسمية لكي يستطيع هذا الشعب ترجمتها كواقع ملموس منبثق عن ثقته بنفسه وقيادته.. ومن أهم وأبرز المبادئ التي عملت الحكومة العُمانية على ترسيخها وغرسها في عقول وسلوك مواطنيها هو مبدأ السّلم والسلام والتسامح..

ولعل الكثير منا قد لاحظ هذا التسامح الذي يسري في شرايين أبناء هذا الوطن المعطاء، وما هو إلا انعكاس للنظرة الحيادية والسلميّة التي تنتهجها السلطنة.. فهي بمثابة الشمس التي لا يمكن إخفاؤها على امتداد تاريخ سلطنة عُمان قديماً وحديثاً..

فالشعب العماني شعبٌ ينبض تسامحاً حتى مع من يختلف معه في توجهاته، وصار منهجه في التعاطي مع القضايا الإقليمية مضرب مثل لا يختلف عليه اثنان.. رغم أن الكثير قد عاب عليهم سكوتهم عن كثير مما يجري ويحدث حواليهم لكنهم غفلوا عن أنّ سكوتهم لا يعني جهلهم بما يدور حولهم من مجريات ولكنّه – باختصار- قاعدة عُمانية أثبتت صحّتها في أغلب مدارس السياسة المعاصرة وهي: "أن ما كل ما يحدث يستحقّ الكلام حوله.." فالضجيج يُفقد السمع كما قال معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العُماني.. وكما أنّه كلّما ارتفع الإنسان تكاثفت حوله الغيوم مع ما تحمله من برق ورعد.. فيحاول البعض في فضاءات الشبكة العنكبوتية وبالتحديد في دهاليز مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر جرّهم نحو هُوّة سحيقة من الجدال والمراء يُرى أولها ولا يُعلم باطنها من شدة ظلامها.. ويُلاحظ الحملات الممنهجة –أحيانا- التي تشن في مواقع التواصل الاجتماعي على السلطنة وسياساتها.. في محاولة لجرّها إلى مستنقع الغوغائية والحرب الكلامية في تلك المواقع.. لكن ما يُبهج النفس هو تمسّك العُمانيون بمنهج تأصّل في نفوسهم وتربّوا عليه.. وهو النأي عن تلك التراشقات الحاصلة.. بل ولا عجب عندما تكون أغلب تلك الردود تفوح بعطر التسامح والمحبة والسلام.. وقد نرى في أحيان كثيرة أن بعضهم يدافع عن مبدأ السلام حد التعصّب.. ونراهم عندما يصل الأمر إلى حد التراشق وتحوير الحوار إلى جدال يصبح النأي بالنفس سيد الموقف والبعد عن لغو الحديث هو الفيصل والحكم في هذه الحالة.. وهي ميزة قلما تجدها مترسخة في حوارات شعوب أخرى.. وتستحضرني مقولة الشيخ العلامة أحمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عُمان حين وصف هذه الظاهرة قائلاً: "العمانيون لم يفصلوا أنفسهم عن العالم بل فصلوا أنفسهم عن الفِتن".

ما سبق ذكره لا يمكن اعتباره تزكية للنفس، فالله يعلم بخلجات النفوس.. لكن ما أود قوله في هذه المناسبة: يا نوفمبر المجيد ها نحن ذا.. مسالمون حدّ التعصّب.. فالعقول الكبيرة وحدها تعرف كيف تُسالم وتتسامح..