طالب المقبالي
تحية شكر وتقدير أسجلها لجمعية الصحفيين العُمانية التي تولي أعضاءها جل اهتمامها من أجل تنمية قدراتهم الفكرية والجسدية والنفسية.
فقد حرصت الجمعية على تنظيم الدورات التدريبية والملتقيات والرحلات التي تنمي فكر الأعضاء وبالأخص المراسل الصحفي الذي همش من الجهات المُتعاون معها على مدى أكثر من ثلاثة عقود. ولعل الذاكرة تعرج بي إلى العام 2014 حيث نظمت الجمعية الملتقى الثاني للمراسل الصحفي بمحافظة ظفار.
حينها كتبت كلمة لم تُنشر، كلمة خرجت أحرفها من أعماق القلب لتُعبر عن صادق المشاعر تجاه هذه الجمعية، قلت في مطلعها: "لقد رأيت الأحرف تتساقط كحبات اللؤلؤ، وتتراقص الكلمات وتتلألأ كأنجم السماء، وتصطف الكلمات في صفوف مرصوصة".
حينها فقدت ملكة التعبير، وفقد قلمي توازنه من قوة تلك العبارات وتلك الكلمات، فلم يستطع أن يجيد مثلما أجدتم، وأن يكتب أكثر مما كتبتم، فكل كلمة كتبتموها تمثل خلجات قلبي وتنطق بإحساسي وتصور مشاعري وتحفر على جدار الذكريات انطباعاتي عن هذا اللقاء الذي أقلّ ما يوصف به أنّه أكثر من رائع وأكثر من مُمتع.
فاحترت من أين أبدأ! وهنا كانت الإشارة إلى الكلمات التي ألقاها البعض في ذلك الملتقى مواصلا الحديث حيث قلت: "هل أبدأ من أول ملتقى حين أكرمني الله بأن ألهمني بالانضواء تحت راية جمعية الصحفيين العمانية والتي لولاها ولو لا تلك البداية الجميلة لما كنت هنا ولما شاركت في الملتقى الثاني".
فالإنسان له أمنيات قد تكون محدودة وقصيرة النّظر، وقد تكون بعيدة بعد النظر. فلعي لو سئلت عن أفضل أمنية لخانني حدسي أن أصل بتفكيري إلى أمنية كهذه.
أن أكون صحفياً، وأن أكون عضوًا في جمعية الصحفيين العمانية، وأن أتعرف على أحبة من مُختلف ربوع الوطن الغالي، وأن أجتمع بهم في ملتقى رائع، وفي بلد أروع، وفي مُنتجع لم أكذب لو قلت لكم إنني لم أفكر أن أرتاده وأنا قادم إلى صلالة، لأنني سأمد رجلي بقدر ثوبي ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه، فأقل تقدير إن حاولت التجربة فليوم واحد فقط ولا أنكر أنّ لي تجارب قصيرة بحجة المقولة (مرة في العمر) لا تكلف مُقابل المتعة والاستكشاف.
وقد استطردت في الحديث حين قلت: "كم أنا محظوظ حين انتسبت للجمعية وتعرفت على بعض أعضاء إدارتها، وكم أنا محظوظ حين تعرفت عليكم، وكم أنا محظوظ حين لمست من البعض أنّهم يستأنسون بالجلوس إلى جانبي والاستمتاع بالحديث معي".
نعم صحيح قد لا أجد الجميع منسجمين معي وهذه طبيعة فطرية، فالقلوب أجناد مجندة ما تآلف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، ولكن لا أشك بأن الجميع أحبني وأن الجميع احترمني. فلعل كلمات الشكر هي ما أملكه لأقدمه لهذه الجمعية وإدارتها القديرة حيث قلت: "إخواني الأعزاء، إنّ عبارات الشكر لا تكفي تجاه هذه الجمعية التي دخلت قلوبنا من أوسع الأبواب رغم قصر المدة التي انتسبنا إليها فيها، فهي تهتم بتنمية الإنسان وتقوية مداركه".
فقد أعطتنا في سنتين أكثر مما أعطتنا إياه جهات عملنا في ثلاثة عقود من الزمان.
ولعل في ذلك حكمة من الله، إذ إننا عندما نترك العمل ونشيخ في نظر الخدمة المدنية فإنّ أبواب الجمعية مفتوحة لنا قبل وبعد المشيخ الجسماني لأنّ هذا لا يعنيها وإنما يعنيها الفكر والقلم فإنّه لا يشيخ مهما طال الزمن أو قصر.
وهنا لم أعد مرهقاً في التفكير في المرحلة القادمة بعد التّقاعد، في أن تبقى حياتي محصورة في حصير أفترشه في حديقة منزلي وتتكرم عليّ عاملة المنزل بصحن من التّمر ودلة القهوة تكون سلوتي بعد حياة كانت مليئة بالحيوية والنشاط، لتنتهي بكرم عاملة المنزل، لأنّ كل أفراد الأسرة منشغلون بأعمالهم وليس لديهم الوقت لكبار السن كي يضيعوا أوقاتهم معهم.
وهنا تختلط المشاعر بين تفكير ضيق ومتشائم، وبين آفاق رحبة تتراءى أمام عيني لمواصلة مسيرة العطاء بعد التّقاعد فواصلت مخاطبة زملائي وإدارة الجمعية فقلت: "لا أخفيكم أنّ هذا كان هو شعوري قبل انضمامي للجمعية، أما اليوم فقد تغير الفكر وأصبح التفكير في الفكر الذي لا يشيخ".
نعم أنا لدى تجارة ومحلات تجارية، فالبعض يقول لي أنت وجدت ما يشغلك بعد التقاعد بإدارة أعمالك التجارية، لكنني أرفض أن أعمل بعد التقاعد فللإنسان فترة من العمر يجب أن يستريح فيها، إلا من العمل الفكري فالعقل إن لم تشغله بالتفكير فإنّ خلايا الدماغ تموت.
ولعلي أختلف أيضًا عن الكثيرين، فأنا مصمم برامج إلكترونية ومواقع إنترنت، وهذا بحد ذاته يحتاج إلى فكر ويساعد على تنشيط خلايا الدماغ التي نحتاجها كون هذا المجال في تجدد وتطور مستمر في عالم متسارع في التطور الفكري، وهنا أكون مطمئناً على بقاء خلايا دماغي تعمل باستمرار، خاصة وأنني أدير مواقعي الشخصية بالإضافة إلى أنشطتي في عدة مجالات تقنية وفنية وعلمية.
muqbali@hotmail.com