هل تقدَّم القراءة بالملعقة؟

 

زينب الغريبيَّة

أنْ تَسْعَى لإشعال طريق الفكر، والإسهام برفد عالم الفكر بالكُتَّاب الجُدد، والفكر المميَّز المدفون؛ هدفٌ نبيل، وشعورك بالإنجاز وتحقيق التقدُّم في تحقيق هدفك شعور أجمل، والمؤسف حقًّا أنْ تجد دعوات مُحبِطة ليس بإهمالك وتهميش ما تصنع فحسب، بل يتعدَّى الأمر لأن تُتَّهم بأنَّك لا تقوم بتقديم إصداراتك في فعاليات مجانية للقراءة كمبادرة منك: فهل تعمل دور النشر بشكل مُختلف عن الجرائد والمجلات التي تصدر لتُباع؟ ألا يكون إصدار الكتاب ومتابعته والقائمين عليه في جميع مراحله حتى يصل إلى القارئ أمرًا مكلِّفا؟ هل تتحمَّل دور النشر والمكتبات مُشكلة عُزوف المجتمع عن القراءة؟ هل تتحمَّل مُشكلة أننا شعب ليس قارئاً؟ عندما يُصادفك شخص أوَّل ما يقوله: أين أنتم في غير موسم معارض الكتب؟ فهل زار المكتبات ليرى هل توجد الإصدارات فيها أم لا؟ هل بحث عن وجودها في مواقع التواصل الاجتماعي قبل سؤاله، أم اعتاد هذا الجيل على أن يصله الطعام بالملعقة إلى فمه، فقط ما عليه هو أن يفتح فمه ليبتلعه؟!

أقْصَى ما تتَّحمله دار النشر هو أنْ تبحث عن الكُتَّاب، وتحفِّزهم وتنقِّح الكتب وتصقلها، وتنتقي الراقي لتقدِّمه للنور، وتجتهد في الإخراج والتصميم، وبعدها النشر والدعايا والإعلان والتوزيع، وتبقى المهام التالية بيد المجتمع نفسه من أُسرة وإعلام ومُؤسَّسات تعليمية بمختلف مستوياتها، لتحريك المياه الراكد، وتغذية العقول.

عاش الفيلسوف برتراند راسل بقية حياته -التي استمرت 97 عاما- من إيرادات كتاب له نشره في عُمر السبعين عامًا، هل طمعًا منه في أخذ نقود القراء، أم قصدًا منه في تجارة شيء يخصُّ العقول فلا حق له بذلك؟ أم لأنَّ القارئ الغربي يتلقَّف الكُتب وينتظرها ويبحث عنها، علما بأنَّ الكُتب التخصصية تُباع بأسعار مرتفعة في بلدان العالم الغربي، ونحن هنا نستكثر سعر الكتاب إذا بلغ  خمسة ريالات!!

هل تنقصنا المبادرات القرائية، مدفوعة القيمة للقارئ المجبور على القراءة؟ أم تنقصنا الرغبة الحقيقية في مجتمعنا للقراءة؟ أم ينقصنا دعم المثقفين للكِتَاب، ومصدر الكتاب، حتى لو بالكلمة الطيبة، والإشادة التي تجبر ولا تكسر، ودعم المؤسسات ليس بالمادة، بقدر ما هو الحاجة للدعم بالتسهيلات وفتح الأبواب للكتاب حتى يظهر، وما يجب على الإعلام من إظهار الكتّاب وكتبهم.

فالكتاب في مجتمعنا، كاليتيم في داره، يجد نفسه وحيدا، مُحارَبَا حتى ممن يدَّعي الصلة به، فلا تلوموه، ولا تلوموا القائمين عليه، ولوموا العقوق المتعمَّد ممن يحيطون به، الذين لا يعون الرأفة به وهم يقذفونه بالسم من النوافذ.

إنَّ المجتمعات المُحبَّة للقراءة تعطي أهمية كبيرة لكتابها، سيما الجدد الذين يصدرون كتبهم لأول مرة، وتسعى إلى تشجيعهم من خلال الاهتمام بإصداراتهم بتخصيص تغطية لها في القنوات الثقافية أو على صفحات الجرائد في الزوايا الثقافية؛ مما يُحفِّز القراء على اقتنائها، ولكن: هل يحدث ذلك لدينا؟ هل تنشط هذه القنوات الثقافية البسيطة جدا للاحتفاء بميلاد أسماء جديدة في الحياة الفكرية العمانية؟

نحن نتطلَّع إلى مثل هذا الاهتمام، سيما ونحن نعمل اليوم لدعم هذه الاسماء من خلال النشر لها، ونراهن أنه سيولد من دار الورّاق أسماء سيكون لها شأناً في الحياة الأدبية العربية، ونعمل للترويج لهم بأقصى ما نستطيع، فنحن الوحيدون من نحرص على وجود الإصدارات العمانية في مختلف المحافظات، ونسعى إلى أكثر من ذلك، وكل شيء سيأتي؛ لأننا نعمل بإيمان كبير للنهوض بالمشهد الثقافي، وكتب الدار متاحة في كل مكان لمن أراد أن يقرأ ما تخطه الأقلام العمانية الشابة.

ونَطَمح أن يكون رافدنا في بحر الفكر العماني، إثراءً وصعوداً بالأقلام العمانية، وبادرة تجذب القراء، ويكفي الإنتاج من أجل تحريك الركود أولاً، ثم يأتي الفتح من بعدها.