العرب بين كلينتون وترامب

 

زاهر المحروقي

من الخطأ المراهنة على أيّ حزب عند وصوله للسلطة في أمريكا، فلا فرق بين الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، إذْ أنّ كليهما يعمل لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وفق سياسة واضحة، عنوانُها الأبرز هو المحافظة على المصالح الأمريكية في العالم، وضمان أمن وسلامة إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط. لذا أتى رؤساء وذهبوا، وحكم الحزب الجمهوريّ تارة والديمقراطيّ تارة وتبادلا الأدوار، إلا أنّ ثوابت السياسة الأمريكية لم تتغير، وهي السياسة التي تعتمد على السيطرة على العالم؛ فتهدِّدُ هذا.. وتتآمر على ذاك.. وتطيح بهذا.. وتنصّب ذاك.. وتدافع عن الديمقراطية هنا وتحاربها هناك حسب المصالح الأمريكية، ولكن الثابت الذي لا يتغير هو الالتزام بأمن إسرائيل. وفي النهاية فإنّ الاهتمام بالمصالح الوطنية يُحسب لأمريكا لا عليها؛ إلا أنّ الخطأ الذي يقع فيه العرب -  الحكومات والشعوب معاً - هو المراهنة على حزب أو مرشح على حساب حزب أو مرشح آخر، وكأنّ من يصل إلى البيت الأبيض بيده أن يغيِّر السياسة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والأمَرّ من ذلك أن تشارك بعض الحكومات العربية في دعم مرشح على حساب آخر وتدفع مبالغ خيالية في حملة حزب على حساب حزب آخر. ولكن يبقى أنّ اهتمام الشعوب العربية بالانتخابات الأمريكية يعود إلى سيطرة السياسة الأمريكية على مقدرات الوطن العربي، خاصة بعد أن أعلن الرئيس السادات أنّ 99% من أوراق اللعبة في المنطقة بيد الولايات المتحدة. ومن هنا يجدر أن نلقي نظرة على نتائج استطلاع الرأي العام في المنطقة العربية نحو الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، الذي أجراه المركز العربي للأبحاث - فرع واشنطن، على عينة من المواطنين العرب موزعين على تسعة أقطار عربية وهي: الجزائر ومصر والعراق والكويت والمغرب والأردن وفلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة) والسعودية وتونس، وذلك خلال الفترة من 21- 31 أكتوبر 2016.

تشير نتائج الإستطلاع أنّ الرأي العام العربي أفاد أنّ نظرة 66% إلى السياسة الأمريكية في العالم العربي سلبية. وتتوافق هذه النتيجة مع نتائج استطلاعات المؤشر العربي عبر السنوات الثلاث الماضية التي أظهرت أنّ المواقف السلبية من الولايات المتحدة هي في جوهرها مواقف تجاه السياسات الأمريكية في المنطقة العربية وليست ضد الشعب الأمريكي، ويبدو ذلك واضحاً في الاستطلاع عندما عبّر 73% من العرب عن نظرة إيجابية تجاه الشعب الأمريكي.

وعن الرأي العام العربي نحو مرشحَيْ الانتخابات الرئاسية، فقد عبّر 56% عن أنّ نظرتهم تجاه المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون إيجابية أو إيجابية إلى حدٍ ما؛ فيما أفاد 60% أنّ نظرته تجاه ترامب سلبية. وبصفة عامة، فإنّ الرأي العام العربي يفضّل هيلاري كلينتون لتكون رئيس الولايات المتحدة القادم بنسبة 66%، بينما فضّل 11% ترامب؛ في حين أفاد 11% ألّا فرق بينهما؛ وكانت أعلى نسبة أفادت أنها لا تفضِّل أحداً على الآخر هي في فلسطين، وبنسبة 19%.

ويبدو الانقسام في الرأي العام العربي أكثر وضوحاً عندما سُئل المشاركون في الاستطلاع، إن كانت الانتخابات الرئاسية سوف تؤدي إلى تغيّر في سياسات أمريكا نحو العالم العربي؛ إذ أفاد 50% أنّ الانتخابات ستؤدي إلى تغيّر جوهري في السياسات الأمريكية، مقابل 43% أفادوا أنّ الانتخابات لن تؤدي إلى ذلك.

وعن تأثير المرشحين في السياسة الأمريكية في المنطقة العربية، أفاد 66% أنّ أثر انتخاب كلينتون قد يكون إيجابياً أو إيجابياً إلى حدٍ ما في السياسات الأمريكية نحو المنطقة العربية، فيما اعتقد 14% بأنّ انتخاب ترامب سيكون له أثر إيجابي أو إيجابي إلى حدٍ ما.

في الواقع لا فرق بين كلينتون أو ترامب، وإنما المشكلة تكمن في أنّ العرب لا قيمة ولا وزن لهم في السياسات العالمية، وليس أدل على ذلك من لقطات فيديو تداولها النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منتظراً مصافحة الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال قمة مجموعة العشرين في الصين دون أن يلتفت له الأخير، وقد أثارت تلك اللقطات تعليقات اعتبرت المشهد إساءة لمصر، لأنّ أوباما قام من كرسيِّه ولفَّ لفةً كاملةً حول طاولة المحادثات حتى يصافح الرئيس التركي أردوغان، الذي لم يتحرك خطوة واحدة من كرسيِّه. وما فعله الرئيس أوباما مع الرئيس المصري، فعله قبل ذلك مع حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الذي حاول أن يصافح أوباما وظلَّ يحرك نفسه يميناً ويساراً لعله يثير انتباه سيد البيت الأبيض،  إلا أنّ السيد تحرَّك وترك رئيس الوزراء العراقي خلفه. وهذه في الحقيقة لم تكن إهانة شخصية للرجلين بقدر ما كانت تشير إلى أنّ هذا هو وزن العرب في السياسة الدولية وفي أمريكا بالذات. وقد فرح البعض لأنّ أوباما وجه إهانة للرئيس المصري، ولكن كانت الإهانة موجهة للعرب كلهم وليست للسيسي أو العبادي سواء اتفقنا معهما أو اختلفنا.

حتى يكون للعرب قيمة وتلقى الحكومات العربية احتراماً في أمريكا وغيرها، لا بد أن تكون الدول العربية قوية وموحدة، ولا يمكن لهيلاري كلينتون أو ترامب أو غيرهما أن يكونوا عرباً أكثر من العرب؛ فغيابُ قيمة العرب يعود إلى انقسام الدول العربية وتمزقها والتقاتل فيما بينها، وكذلك إلى غياب القيادات الوطنية العربية التي كانت تطبق وتقول "لا" كبيرة ضد السياسات الأمريكية، وهي القيادات التي تآمر عليها العرب أنفسهم ظانين أنّ في ذلك ضماناً لهم، فإذا هم يجدون أنفسهم فجأة مهددين.

ليس مهمّاً أن يفوز ترامب أو تنتصر كلينتون. المهم هو أين نحن وما هو وزننا؟! وقد تُعذر الشعوب العربية عندما تهتم بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، لأنها في الأساس محرومة منها، لذا تتطلع إلى انتخابات الآخرين، خاصة إذا كان هؤلاء الآخرون بحجم أمريكا التي بيدها الحل والعقد، بسبب  السياسات العربية الخاطئة. ومهما كان الأمر فإذا كانت الدول العربية ترغب في أن يكون لها صوت وقيمة في السياسة الأمريكية، فعليها أن تكون وطنية وقوية، وتحدث تغييرات داخلية تستمد منها الشرعية والقوة، وتنفض عنها العداوات التي نتج عنها التآمر ضد العراق وسوريا ومصر واليمن وليبيا، وألا يتطاول برقبته من لا يملك الإمكانيات التي تؤهله لقيادة الأمة، فليس كلّ دولة مؤهلة أن تملأ فراغ مصر ولا العراق ولا سوريا، وليس كلّ حاكم يمكن أن يحل محلَّ الزعيم عبد الناصر.