التداعيات الإقليمية لسقوط "داعش"

 

علي بن مسعود المعشني                                                   

لا شكَّ عندي بأنَّ من صنع "داعش" وعوَّل عليها لتمرير مشروعه في المنطقة وتمكينه يعيش اليوم أصعب أيامه نتيجة الإخفاق الكبير الذي مُني به التنظيم في مسرح المعركة وجهدها بكل من سوريا والعراق.

ولا يقتصر الأمر على الإخفاق والفشل الذريع الذي كان من نصيب دولة "داعش" ومن يقف خلفها، بل في السقوط الأخلاقي المريع للمراهنين على "داعش" والداعمين لها والذي سيتلوه - بالنتيجة الحتمية المؤكدة – سقوط كيانات ودول في المنطقة والتي ارتضت ذات يوم بأن تكون "داعش" ذراعها المُدمر وخط دفاعها الأوَّل وسلاحها الفتاك لتركيع الخصوم وإذلالهم ولتمكين مشروعها وتحصين أمنها القومي عبر تصنيع الإرهاب ورعايته وتصدير فائضه إلى بؤر الصراعات والنزاع.

لم يعد سرًا اليوم من صنع "داعش" ويقف خلفها بالمال والسلاح والدعم اللوجستي بل والغطاء السياسي، ولم تعد"داعش" لغزًا محيرًا للعالم بعد أن شهد العالم السعي الحثيث للرعاة في تمكين شركائهم الدواعش على الأرض وتغيير طبيعتهم ومُسمياتهم كلما نضجت جلودهم لضمان استمرار المخطط في إسقاط الدولة الوطنية أو إجهادها حتى تُصاب بأعراض التحلل الذاتي وتستغيث بالعدو وترتشف ترياقه السام مجددًا.

تكفلت دمشق العصية عبر صمودها الأسطوري بخلط الأوراق والأولويات وكشف قوائم جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين من خلف "داعش" والذين ألهاهم التكاثر وأزكمت أنوفهم رائحة النفط ودماء الأبرياء فقرروا في سهرة مع الشيطان جعل المُجرمين وشذاذ الآفاق من أدواتهم الماضية لجني أعظم المكاسب وإعادة إنتاج الواقع القسري بما يخدم أحلامهم المريضة وغطرستهم التاريخية المعروفة.

مُشكلة المنظومة الداعشية أنّها تسلحت بالنرجسية والغباء المُزمن كعادتها فرفعت من سقف الخصومات ووسعت من دوائرها إلى حد شعار أكون أو لا أكون، وبطبيعة الحال حينما يٌحاصر الإنسان في خياراته وقناعاته ويُعاقب على وجوده فلابد له من أن يُطلق العنان لكل طاقاته الخلاقة للدفاع عن ذاته ووجوده، وهذا مالم يحسب حسابه الدواعش ومنظومتهم والذين استخلصوا من خصومهم أمضى وأصفى مالديهم من قوة وبسالة وصمود وتضحيات.

عندما تكون أناشيد الدواعش وعقيدتهم "جئناكم بالذبح" فلا يتوقعون من الآخر أن يستقبلهم بالورود. وعندما يستهدف الدواعش أهل السنة والشيعة والكرد والعلويين والدروز والنصارى بأطيافهم فعلى العقلاء أن يتساءلوا عن مشروع هؤلاء بخلاف نشر الموت ووأد الحياة.

المنظومة الداعشية استهدفت الإنسان والحياة والتاريخ والعلم والتنوير والقيم والأخلاق والتعايش والتآخي والسلام، وبسطت الجهل والحقد والثأر والبغضاء والتخلف والانحطاط والبذاءة بأشكالها والإجرام فبأيّ عقل نتقبل هكذا تصرفات وبأيّ مبرر ومنطق وتحت أيّ ذريعة نسمي هذه العبثية ثورات وإصلاح ودفع مظالم!؟ .

من صنعوا الدواعش وراهنوا عليهم هم اليوم في أسوأ حالاتهم نتيجة هزيمة مشروعهم وفشل مخططهم، فبهزيمة"داعش" وكسر دولتها فقد حلفاؤها خط دفاعهم الأول ورهانهم القوي الأوَّل والأخير وبالتالي سيفقدون بلا شك الكثير من مناعتهم الداخلية والخارجية وسيواجهون إستحقاقات عظيمة لا طاقة لهم بها بفعل ماصنعوه بأيديهم ذات يوم للإفساد في الأرض والعبث بنواميس الحياة والتاريخ والعقل السوي.

لاشك أنَّ من صنعوا"داعش" وراهنوا عليها لا يُفكرون أبعد من أنوفهم وأنّ صلاحية أفكارهم لا تتعدى أكثر من ثلاثة أشهر وفي كلا الحالين سرعان ما ينكشفون وتتبعثر أوراقهم بفعل أعراض النرجسية والغباء المتناسلين واحتكار الذكاء والقوة حصرًا في أنفسهم، فتأتيهم الطامة من حيث لا يحتسبون بفعل تضافر حشود الضحايا وجهودهم لدحر المخططات الشيطانية التي تحيق بهم وتُخطط لهم.

مشكلة المنظومة الداعشية لم تعد محصورة في أزمة بعينها ولا في طائفة بعينها ولا دولة بعينها ولا جغرافية بعينها، فقد تكشف للعالم بأنّها منظومة خراب وردع عابرة للحدود ولا نجاة منها سوى بتضافر جهود أحرار العالم وشرفائهم لجعل دمشق وبغداد مقبرة أبدية ونهائية للإرهاب ومنظوماته مهما اختلفت المُسميات وتراوحت التوصيفات والتسويق بين التطرف والاعتدال .

لاشكَّ عندي بأن كسر"داعش" وتحطيم دولتها يفوق جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي بالنسبة للوطن العربي والجغرافيا الإقليمية والعالم الحر، ولن تترسخ هذه القناعة إلا بعد صمت البنادق وتقليب الأوراق وتقييم المواقف ومراجعة المخططات.

ولاشكَّ عندي كذلك بأنّ تفتيت المخطط الداعشي هو أكبر انتصار للأمة العربية في تاريخها المعاصر ولدولة الاستقلال العربي، وسيأتي اليوم الذي تبرز فيه هذه الحقائق وتتجلى للناظرين.

فداعش ليست أزمة ولا مُخططا فحسب بل مفصل صراع حاد بين الخير والشر، العلم والجهل، الأخلاق والانحطاط، الأنسنة والتوحش.

قبل اللقاء : "من يزرع الريح يحصد العواصف" "ومن يقرأ التاريخ يقرأ المستقبل".

وبالشكر تدوم النعم..


Ali95312606@gmail.com