الانتخابات الأمريكية "الفاتنة"!

 

محمد بن سالم البطاشي

 

هي النجمة الزاهرة التي تتلألأ كل أربع سنوات في سماء العالم، وتطل بخيلائها وجمالها الباهي ودلالها المتغنج على هذا العالم المفتون بها إلى حد الهوس، يُتابع كل حركاتها وسكناتها وهمساتها في انبهار واهتمام وحماس منقطع النظير، الأضواء مسلطة عليها من كل حدبٍ وصوب والإعلام المرئي والمسموع والمكتوب ووسائل التواصل الاجتماعي لا شغل يشغلهم عن هذه الحسناء التي تفاخر بمفاتنها أجمل ملكات جمال الكون.

تجمع كل المتناقضات في وقت واحد دون أن يرف لها طرف، فهي عنوان الجمال الساحر والدمامة والرقة والقسوة، قد يكرهها البعض وهم قلة من المؤدلجين، تتصدر فصول أحداثها نشرات الأخبار، وتتضاءل أمام غوايتها وجبروتها أهمية بقية الأحداث والحروب والكوارث وكأنها قد وضعت أوزارها أو خفَّ بريقها، تشرئب إليها الأعناق وترهف لها الأسماع وتهفو إليها الأفئدة متى ما اقترب موعد تجليها على مسرح الأحداث شغفاً بما تخبئه من مفاجآت، إنها فتنة الإعلام والسياسة والاقتصاد وعامة البشر وخاصتهم، تبذل المليارات خطبا لودها المتلون، وهي لا تزال متمنعة تطلب المزيد. 

إنها صاحبة المقام الرفيع (الانتخابات الأمريكية) التي يحين موعدها بعد أيام معدودات، شغلت الكبير والصغير الغني والصعلوك الحكام والمحكومين المثقف والأمي، تسخر مراكز البحث والاستقصاء من أجل التنبؤ بمآلاتها ومع ذلك فقد تخطئ وقد تصيب.

تأتي هذه الانتخابات هذا العام والعالم على مفترق طرق خطير، فهو في هرج ومرج حيث الحروب تمزق أمماً وتكتوي بنارها شعوب شقيت بحكامها ونخبها، ويخيم الكساد الاقتصادي على أجزاء واسعة من العالم ويسود جو كئيب العلاقات السياسية بين أقطاب العالم، ويطل شبح الحرب الباردة بين روسيا والغرب منذرة بأسوأ العواقب، ورغم كل هذه الأخطار المحدقة بهذا العالم، فإنّ الهم الداخلي الأمريكي هو المُهيمن على سجالات الحملة الانتخابية ونقاشاتها.

وتأتي علاقات أمريكا الخارجية مع دول العالم كأحد أهم المحاور التي يتركز عليها النقاش خلال الحملة الانتخابية الحالية، حيث إنّ العلاقات بين كل من روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى، ليست في أفضل حالاتها بسبب التنافس الحاد على مناطق النفوذ والسيطرة على الثروات والتنافس الاقتصادي والتجاري والتقني بين هؤلاء العمالقة، ولقد كان الشرق الأوسط وما يزال ضمن بؤر الاهتمام في الحملات الانتخابية الأمريكية بسبب العلاقة الحميمة بين المؤسسة الأمريكية وإسرائيل، وما يتبع ذلك من انحياز واضح في المواقف الأمريكية لوجهة النظر الإسرائيلية على حساب القضايا العادلة للأمتين العربية والإسلامية، وأجواء عدم الاستقرار والاقتتال الداخلى في بعض البلدان العربية وما يفرضه ذلك من أعباء سياسية واستراتيجية ومالية وتداعيات اجتماعية طالت الغرب قاطبة مُمثلة في أمواج الهجرة والفارين من لهيب الحروب، وتهديدات أمنية سمعت فرقعاتها في أنحاء مُتفرقة من القارة العجوز، كذلك وقوع العالم العربي على مفترق طرق التجارة العالمية بين الشرق والغرب، ومخزون الطاقة والثروات المعدنية والطبيعية الهائلة الكامنة والتي يستفيد منها الاقتصاد الغربي استفادة عظمى.  

ومع اقتراب موعد التصويت في هذه الانتخابات هذا الأسبوع يبذل المرشحان الجمهوري والديمقراطي جهوداً مضاعفة لكسب ثقة الأصوات المترددة ويستعملان كل ما بحوزتهما من أوراق وإغراءات للفوز بهذا السباق الرئاسي، وتُسلط الأضواء من داخل وخارج الولايات المتحدة على مجريات تلك الأحداث وتتبارى مراكز استطلاعات الرأي في استقراء المزاج الشعبي العام ومن أي ناحية تهب رياح الفوز؟.

ولو ألقينا نظرة على مواقف كلا المرشحين من قضايا الشرق الأوسط فإننا نستطيع رؤية بعض الفوارق في المواقف حيث إن دونالد ترامب له موقف معروف من الملونين بصورة عامة والمُسلمين بصورة خاصة، إذ نادى بعدم السماح للمسلمين بدخول أمريكا، ويُشدد على معالجة الاضطرابات في المنطقة العربية معالجة عسكرية خشنة، ويؤكد على محاربة حركات الإسلام السياسي بصفتها مجموعات إرهابية، وبذلك فهو يلتقي مع وجهة نظر الرئيس الروسي، ويرى في دعوات التغيير في العالم العربي بوادر خطر على الأنظمة الحاكمة والتي هي عادة على وفاق مع المصالح الأمريكية، كما أنّ حقوق الإنسان والحريات العامة وقضايا المجتمع المدني تأتي في درجات دنيا من سلم أولوياته. أما مرشحة الحزب الديمقراطي فإنّها أكثر ليبرالية وانفتاحًا، فهي معنية بصورة أكبر بقضايا التسامح والحريات العامة وحقوق الإنسان وقد كانت عرابة هذه المبادئ أيام رئاستها لوزارة الخارجية الأمريكية، وربطت حينها المساعدات الأمريكية للدول بمدى التقدم الذي تحرزه أنظمتها في قضايا الحريات العامة وحقوق الإنسان والتحول الديموقراطي وتنشيط دور المؤسسات النقابية والاتحادات وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، وهي ترى في الإسلام السياسي شريكًا محتملاً في الحياة الديمقراطية في الدول التي تشهد اضطرابات وتوترات سياسية، وترى أنَّ معالجة جذور العنف والتطرف تكمن في التداول السلمي للسلطة وتحسين ظروف المعيشة، ومحاربة البطالة والفقر والأمية وعدالة توزيع الثروة وتحسين الخدمات العامة، وتؤكد على مبادئ الشفافية والمحاسبة ومكافحة الاستبداد والفساد والدعوة إلى المساواة وقضايا المرأة، وحرية الفكر والتعبير والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفرد، وهي تتبنى موقفاً مرناً من قضايا الهجرة واللجوء، ويأتي موقفها من القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي منسجماً مع المواقف المعروفة للحزب الديموقراطي، فهي تُشدد على حل الصراع سلمياً ضمن مفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ترتكز على خيار الدولتين وهي تعتبر الاستيطان عقبة أمام الحل المنشود. 

وأخيرًا فإنّه بانتظار أن تدق ساعة التصويت وينتهي هذا المهرجان الذي أقام الدنيا ولم يقعدها، ومهما يكن الفائز في السباق الرئاسي فإنّ على العالم العربي أن يفيق من غفلته، ويتخلص من أسباب الفرقة والخلاف والاختلاف واستعمال السلاح في حسم الخلافات السياسية والمذهبية، واعتماد الحوار والنقاش مبدأ وأسلوباً  للتعايش المجتمعي واحترام حقوق المواطنة لكل مكونات المجتمع وسيادة العدالة والقانون كخيار إستراتيجي، وأن ترتقي النخب السياسية والثقافية والدينية إلى مستوى المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقها، وتنهض بهذه الأمانة التي في أعناقها، لتتفرغ هذه الأمة للمهمة الكبرى للإنسان كما أرادها له الخالق سبحانه، والمتمثلة في عمارة هذا الكون وتوفير كل الإمكانات للمواطن العربي ليعيش كريمًا آمناً مطمئناً في بلده، عندها لن يجد التطرف والطائفية والعنف بيئة مناسبة للنمو، ويصبح الكل يعيش جوًا من التسامح والتعاون والإخاء.

تعليق عبر الفيس بوك