الطريق نحو المواطنة الفاعلة

 

حميد بن مسلم السعيدي

 

تتَّصف العلاقة بين المُواطن العُماني ووطنه بملحمة وطنية يُفاخر بها بين الأمم، وتثبت مدى التماسك الوطني بين المواطن وتلك الأرض التي تنتشي بذلك الحُب الأبدي، حيث استعصى على الآخرين فك شفرة حُب عُمان؛ فظل العُماني متمسكاً بوطنيته وحبه الخالد لهذا الوطن، فسجَّل عبر تاريخه العظيم العديد من النجاحات وقصص الكفاح والتي أثبتت مدى مقدرته على بناء وطنه، واليوم يشهد الوطن حراكاً وطنياً يتمثل في العمل والكفاح الجماعي من أجل استمرارية النَّهج السامي الذي غرسه قائد هذه النهضة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم في أبناء عُمان، والذي عمل طوال الفترة الماضية على تقوية التَّرابط بين أبناء هذا الوطن.

فكان ثمرة ذلك العديد من المُنجزات التي شهدتها النهضة العُمانية، وكان الإنسان العُماني عنصراً فاعلاً ومشاركاً إيجابياً في عملية بنائها، إلا أننا اليوم بحاجة إلى عمل أكثر عطاءً ومبادرةٌ بما يمكننا من ارتقاء السلم العالمي لنصبح جزءًا من هذا العالم المُتقدم، ولا سبيل لنا إلا المواطنة الفاعلة والمؤثرة؛ فالمواطنة التي ننشدها اليوم ليست ذلك الإحساس الوطني أو التعابير الوطنية الملهمة بالحُب والانتماء، إنما يجب أن تتجسد في أفعال وسلوكيات وأعمال وطنية فاعلة في البناء الوطني، ولكن نشهد اليوم العديد من الظواهر السلبية التي أثرت على عملية البناء، وأصبحت عائقاً أمام الحركة التنموية بالبلد، والمتمثلة في انتشار الفساد، وضعف الأداء في بعض المؤسسات الخدمية، وانتشار الرشوة والمحسوبية إلا من رحم ربي، وتأثير العلاقات الاجتماعية في اختيار الكفاءات، وسيادة الكثير من التصرفات والسلوكيات والأفعال التي تُخالف الأنظمة والقوانين، والعبث بالوطن ومنجزاته التي تحققت خلال الفترة الماضية، مما يضعنا أمام مرحلة قادمة تتطلب التخطيط الناجح لتحقيق رؤية وطنية تتبنى عملية بناء المواطن الفاعل في مجتمعه، والمُخلص في عمله، والمؤتمن على مهنته ووطنه، وذلك نظراً للأهمية الوطنية للدور الأساسي الذي يبذله المواطن في القيام بواجباته من أجل الوطن، هذه الواجبات التي يجب أن تركز على الإخلاص والأمانة والعطاء والكفاح من أجل تحقيق الجودة العالية وفقاً للمعايير العليا تحقيقاً للأهداف السامية، وحتى نصل بالمواطن إلى هذا المستوى فإنَّ أمامنا مشوار طويل يتطلب جهوداً تكاملية بين العديد من المؤسسات الحكومية والمعنية ببناء المواطن، فلا يُمكن أن نضع تحقيق ذلك على مؤسسة واحدة، إنما لابد من اشتراك العديد من المؤسسات التربوية، والإعلامية، والدينية، والاجتماعية، وحتى نحقق هذا التكامل فلابد من بناء التوافق بين هذه المؤسسات من خلال إستراتيجية تكاملية تُحدد الأدوار من أجل تحقيق الرؤية الوطنية التي تهدف إلى بناء المواطن الفاعل والمؤثر في تحقيق الأهداف الوطنية، والوصول إلى تلك الغاية فالطريق إليه ليس مفروشاً بالزهور فأمامنا العديد من التحديات والعتبات التي تتطلب منِّا العمل اليوم قبل الغد، لأنَّ العالم الخارجي يتجاوزنا بعقود وعلينا اللحاق بهم، أو البقاء في أماكننا المُتأخرة.

فنحن بحاجة إلى إعادة  بناء علاقة بين المواطن والوطن الذي ينتمي إليه بجميع مكوناته التاريخية والجغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، بمعنى شاملة لكل ما يتعلق بالوطن، إضافة إلى تعميق الفكر وترسيخ قوة الانتماء والروابط برموز الوطن، المتمثلة في السلطان، والعلم، والنشيد الوطني، والأرض، وهذا الأمر لا يأتي من خلال اجتهادات فردية غير متخصصة، ومحاضرات وجلسات هنا وهناك تنفذ، هذا يحتاج إلى رؤية تتطلب جهدا وعملا كثيفا حتى نستطيع تحقيق أكبر فهم وأعلى مستوى في المواطنة المسؤولة، فالرغبة في بناء مواطنة حقيقية مسؤولة لن يأتي من خلال برامج شكلية، وكأننا نحاول لملمة مجموعة من الأوراق المبعثرة، ونقوم بنشرها للمواطن حتى يستطيع أن يتغيّر بصورة إيجابية. لذا فنحن بحاجة لبناء إستراتيجية مُتعمقة تستطيع التوغل في الفكر الداخلي للمواطن وترتبط بالشعور العاطفي ذي الانتماء الوطني، الذي يُترجم من خلال أفعال تحقق النمو والارتقاء بهذا الوطن، من خلال العمل على مجموعة من الإجراءات والتي تنطلق أولاً من منظومة تعليمية ترتكز مناهجها على غرس المواطنة في نفوس النشء، والاهتمام بكل مضامين المواطنة ومبادئها وقيمها وتطبيقاتها في كل ما يتعلق بالعملية التعليمية بكل أنشطتها وبرامجها المُتعددة والمتنوعة، والاعتماد على المُشاركة الطلابية بالمدرسة مع المُعلمين والإدارة في بناء بيئة وطنية قائمة على تعلم كل ما يتعلق ببناء جيل ذي فكر وطني مسؤول، وبناء نظام اتصال بين المدرسة والأسرة يقوم على اهتمام الأسرة ببناء مستوى فكري لدى أبنائها يحقق الانتماء الوطني، وتفعيل دور الديمقراطية من خلال المشاركة الحقيقية للمجتمع، بحيث يساهم في إيجاد مجتمع مشارك في بناء الوطن من خلال الرؤى والأفكار التي يطرحها في المجالس البرلمانية، بحيث يحقق الرضا وتحمل المسؤولية لدى المواطن لأنّه أصبح متخذاً ومساهماً في صنع القرار، وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني التي تستطيع تكوين التكامل الاجتماعي وتقوية روابط الانتماء الوطني، من خلال أدوراها في معالجة مشكلات المجتمع ورفع مستوى المشاركة الاجتماعية للأفراد، مما يحقق المزيد من الترابط والاتصال الاجتماعي.

إلى جانب أننا بحاجة إلى التركيز على تحصين المُجتمع العُماني، وإعادة بناء المنظومة القيمية والأخلاقية والمواطنية والدينية من خلال تبني منهجية تربوية ودينية تسعى إلى التوغُل الفكري في توجهات المواطنين، والعمل على ترسيخ القيم والمبادئ الإسلامية وتقوية الانتماء الوطني وترسيخ مضامين المواطنة المسؤولة لدى أفراد المجتمع، وتطوير الخطاب الديني ليصبح أكثر مقدرة على التأثير في ذات الفرد والتغيير من توجهاته؛ فاكتمال الصورة الحقيقية تأتي من خلال التكامل بين الإيمان الروحي للوطن، والإيمان الديني بالعقيدة الإسلامية.

 

 

Hm.alsaidi2@gmail.com