شيءٌ ما يُثيرُ الدهشة!

هلال بن سالم الزيدي

من البديهيّ وبحسب سُنن الكون أن تُشرقَ الشمسُ بعد تمدُّد الظلام، ومن الطبيعيِّ أن تكون هُناك نهاية لكل بداية.. ومن المؤكد أنّ كل حضارة تَبني نشوءها على حضارة أُخرى أَفَلَ نجمها.. إذاً لا بد من انكسار القيد وإن حزّ في مِعْصم الزمن.. فلا شيء أبدي مهما كانت الظروف، ولا شيء خالد وإن ساد الصمت، فالهدوء نذير شؤمٍ لبداية العواصف.. والإنسان يبقى ضمن منظومته إن تقيّد بقيمه الإنسانية الداعية إلى احترام الآخر.. ومهما غارت الجروح إلا أنَّ البترَ هو الحلُ الأخير الذي سيُنهي تسلُّط الآخر.. فهنا وهناك شيءٌ ما يُثيرُ الدهشة ويطرح الأسئلة رغبة في تحريك المياه الراكدة.

لا تدّعون الشفافية أيُّها القادمون من نوافذ توريث المناصب.. فما مواقعكم إلا دفوف لا تُطرب الحيّ .. لا تعتقدون بأنكم أنجزتم واجتزتم عُنق الزجاجة .. فما أنتم إلا في قاع القنينة حتى وإن تراءت لكم مشاهد بخلاف ذلك.. أيُّها السامرون من أصحاب النَّظرة الفوقية.. تِلكُم هي أوهامكم بأنَّكم بلغتم عنان السماء إلا أنكم مُعفّرين بأديم الأرض.. أيُّها الواقفون على كل منافذ الأرزاق ألا تعلمون بأنّ هُناك من يجوع لكنّه يأبى أن يدُس أنفه ليقتات على فضلات روائحكم "النتنة".. لأنّ المثل يقول: "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها".. أيُّها الواقفون هناك وهنا وبيننا.. أتدرون بأننا لا نُعيركم انتباهنا ولا نراكُم إلا فُقاعة تقذف بها الريح.. فمهما كنتم وتحولتم ستعودون كما أنتم عندما كنتم صِفرًا في جهة الشمال.. لأنَّ الأيام دول وما جاء سريعاً سيذهبُ سريعاً.

من عُمقِ الفكرة تتّضح وتتجلّى خيوط البداية المبنيّة على تلك الأجساد النزقة في تعاملها مع بشر من أبناء جلدتها لكنهم يختلفون في تكويناتهم وقيمهم وسلوكياتهم.. فتبني تلك "الكومات" هالة لها فتغدو ضربًا ومسحًا وتغييبًا لحقوق الآخرين فتتمادى في طُغيانها، وتتسلّط في تعاملها القريب من الاستعباد، فمن يقف لها ويُبجّلها يجد مكانه، ومن يُلفِظها من جوفه ويسقطُها من روزنامة التاريخ فإنَّه يعلن ضدّها العداء.. هكذا هي في سيسولوجياتها.. كن معي ولا تكن ضدّي حتى أكون عليك سيداً وآمرًا.. فهي أي تلك التكوينات المترهلة تسير وفق مصالحها التي تفوق كل شيء.. نعم أنتم أيُّها المتعصبون لذواتكم لا تحاولوا أن تتدثّروا بالبساطة والشفافية والطيبة، لأنّ أفعالكم تكشف سوءة أفكاركم، ومهما تغاضينا عنها فسيأتي جيل لا يترك لكم مجالاً للتبرير أو لتمرير أُحجياتكم عليهم.. انتبهوا وافهموا أنّ الطريق الذي تسيرون عليه موقد بالخبث المتفتق في شخوصكم.

إننا نُتقن فن الإنصات ليس وهنًا أو غباءً، ولكن حتى لا نُحدث جلبة وهديراً بِلا فائدة.. فالجعجعّةُ الفارغةُ لا تحمل طحناً، لذلك سنكبت غيرتنا على تراب الوطن من أجل ذات الوطن.. أيُّها التائهون بين مرادم المادة والجاه: نحن لا نقذفكم بالجنون والشك، والكفر والزّندقة، لأننا نتوكل ولا نتواكل في مسيرتنا فنحيا بقدر ما قُسّم لنا، ومهما قطعتم تلك المنافذ علينا، فتلك إرادة الله قمتم بتنفيذها لتتكشف مؤامراتكم وما ترغبون في عمله.. فالله يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور.. ونحن هنا نمارس رسالتنا للتذكير وأخذ العبرة، ولسنا محامين منزّهين، لكننا ارتكزنا على مبدأ الوقوف شامخين لا منحنين، فالانحناء فعلا وقولا لمن خلق السموات والأرض ومن فيهن.

أيُّها المتظاهرون والمتمظهرون بمظهر المعرفة والإلمام بكل شيء فمهما نعقتم وجأرتم، فما نعيقكم وجأركم إلا مُكاءً وتصدية، وبكاؤكم نهيق يتحطم على جُدران الواقع فيكون كمن بكى على حائط لا صدى له، فيوشك أن يختفي عندما تسكُن الأرواح في أكفانها، فتكونوا بين رحمة الله.. فتفكّروا في ذلك اليوم.. أعيدوا حساباتكم من جديد، حاولوا أن تفتحوا صفحة جديدة مسطّرة بسطورِ الصدقِ والمصداقية.. لتمتدَّ إلى ظلالٍ وارفةٍ.. اجتهدوا في تغيير شُحومكم المترهلة لأنَّها تدلّت وانحرفت فساء مخبرها ومنظرها.. أيُّها القابعون في "كراسي المخمل" لا تتمايلوا كثيرًا فغدًا تتكسَّر أقدام الكراسي فتهوي إلى مُنزلق لا قعر له.. فتعودون إلى ما قبل البداية .. فتكون النهاية.

أيُّها الإنسان المجهول: أما آن الآون للظهور؟ ألا يكفي من غُربة طالت فصارت انتظارا وانكسارا مهولا؟ كم هم بحاجة إليك لتخرج من صمتك المجبول.. دع السكون وتحرك فلربما تتغير ملامح الخارطة التي سئمنا فيها من خطوط الطول والعرض المعوجّة.. حاول أن ترسُم نهراً يجر معه بشائر خير تمحي الحدود والفواصل، ألا يكفي سفراً وابتعاداً؟ أو ليس من حقِّنا أنّ نبعث لك طلبًا ورسالة شوقٍ تُعجّل في ظهورك؟ ألم تسمع وترى عن أولئك المسيطرين النافذين؟ إن كنت لا تعرفهم، فسيماهم في وجوههم وجيوبهم وامتداد بُنيانهم من أثر الأخذ والاستحواذ، وإن كنت تدري لتمُدَّ لهم لتتيقن من نواياهم، فذلك أمر آخر سيطول العهد به، لكننا لا نلومك ولا نعذرك في ذات الوقت.. ولربما سنُمدد انتظارنا حتى نؤمّل أنفسنا بأن الحياة خليط من شر محُدق وخير يولد من بطن الشر، لذا سنضع نظارات شمسية لنحجب عن أعيننا انغماس الأشعة المحرقة، فنتغاضى من أجل أننا نرسم خيوط حلم بأنك ستعود.. فلا بد أن تعود لثقتنا بعودتك.

أيُّها الغارقون في الأخذ فقط: ألا تخافون من يدٍ تُبسطُ في جوف الليل متضرّعة تشكو ظُلما؟ أتدرون بأن ليس بينها وبين الله حجاب، فهي مرسلة لا قاطع لها، أيُّها النَزِقون ألا تعتبروا من كثرة الحوادث التي تتبلور بين أيديكم؟ لما هذا التناقض الفجّ، فأنتم تغسلون ثيابكم إذا اتسخت، لكنكم لا تغسلون نفوسكم من أدران الخطايا عندما تتلوث بأعمالكم، فكيف تبتغون الفضيلة وهي براء منكم؟ وكيف تستغربون في قلة من يشكركم، وأنتم لا تتحسسوا إلا مخابأ أموالكم؟ .. فمهما حاولتم تجييش الإمعات حولكم فما هي إلا نفوس عمياء لا تنظر إلا في حدود عتبة أنوفها، لذلك لا تكون لكم ناصحة أو ملاذا عندما تتكشف العورات.. قفوا وراجعوا وتحلّوا بالفضيلةِ التي تبني الإنسان.

همسة:

قال الشاعر أحمد مطر في قصيدة "المخبر": عندي كلام رائع لا استطيع قوله.. أخاف أن يزداد طيني بلّة.. لأنَّ أبجديتي، في رأي حامي عزتي لا تحوي غير حروف العلة".

 

 

كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com