إلى مزيدٍ من التمردِ والتطاول (2)

 

 

عيسى الرَّواحي

نُواصل حديثنا عن تعميم منع تأكيد العقاب البدني لطلاب المدارس الصادر عن المديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة مسقط، وما أحدثه من ردود واسعة الانتشار بين شرائح المجتمع، وعلى وجه الخصوص الهيئات الإدارية والتدريسية. وقد أوضحتُ في المقال السابق عِدَّة نقاط وردتْ في التعميم، وبيَّنتُ أنَّ أبرز سببين لشكاوى الآباء على ضرب أبنائهم هو ما وصل إليه أبناؤهم من ترف زائد جعلهم لا يحتملون ضرب التأديب؛ مما يضيق بذلك الآباء ذرعا فيرفعون شكواهم إلى المعنيين بالأمر. وأما السبب الآخر للشكوى، فقد يكون نتيجة الضرب المبرح أو الضرب المخالف لقواعد التربية كالضرب على الوجه أو مواضع الشرف، وهذا ما ينتهجه بعض المعلمين.

ولعلَّ الرفض أو الشكوى للسبب الثاني يتفق عليه الجميع، وبينتُ أنَّه منهيٌّ عنه شرعا ومحظور قانونا، وقد لاحظنا من خلال عملنا بالمدارس أنَّ كثيرا من أولياء الأمور لا يزالون على النهج السابق في شأن التربية وما يتعلق بالعقاب البدني؛ إذ لا يعترضون على ضرب أبنائهم إذا كان بالعصا وعلى اليدين، بل يعطون الضوء الآخر للمعلمين باتخاذ هذا الإجراء، وإنما يكمن اعتراضهم ورفضهم في حال تعرض ابنهم للضرب على وجهه أو ما كان مخالفا لقواعد ضرب التأديب التي أشرنا إليها.

وعله؛ فإننا نؤكِّد ما أشرنا إليه من أهمية اتباع الأساليب الصحيحة في العقاب البدني؛ كي لا يقع الضرر والضرار، وعلى المعلم أن يوقن بأن مقولة "سلِّم العينين فقط" قد ولى عهدها وانقضى، وإن كان لا يزال يرددها بعض الآباء.

وسواءً كانت طريقة العقاب البدني وفق الأساليب الصحيحة أو غير الصحيحة، فإنَّ مما نُشير إليه أنَّ المعلم في أغلب الأحيان لا يلجأ إليه إلا لأسباب أجبرته على ذلك، وما أكثر الأسباب التي تكره المعلم مضطرا إلى الخروج عن طوره في تعامله مع أبنائه الطلاب! وليس من سمع كمن رأى، كما أنه لا يعاقب الطالب بأي طريقة إلا لمصلحته ورغبة في استقامة سلوكه وتحسن مستواه الدراسي.

أمَّا فيما ورد في التعميم بأنَّ القوانين والأنظمة في لائحة شؤون الطلاب تضمن وسائل تربوية يمكن للمعلم اللجوء إليها لتقويم سلوك الطالب، فإنَّ هذا صحيح. وحسب وجهة نظري، فإنَّ لائحة شؤون الطلاب الصادرة بالقرار الوزاري (105/2012) صارمة تجاه تقويم سلوك الطلاب؛ سواء فيما يتعلق بقواعد الانضباط السلوكي أو الانتظام الدراسي، وقد بحثت بشكل موسَّع هذه القوانين والأنظمة في كتاب "حديث المدارس" (ص:152ـ 159)، وعليه فإنّه لو طبقت قوانين تلك اللائحة في وقتنا الحالي على الطلاب؛ لضاق أولياء الأمور وأبنائهم الطلاب ذرعا منها، ولأدركوا السلوكات الكثيرة المرفوضة التي يرتكبها الطلاب، وحجم التحمل والعبء الثقيل الذي يواجهه المعلمون في مواجهة تلك السلوكات وتقويمها، وما أجزم به أنَّه أهون بكثير لولي الأمر وابنه تطبيق العقاب البدني التأديبي من تطبيق لائحة شؤون الطلاب.

إنَّ المعلمين -بشكل عام- رغم ما يُواجهونه من سلوكات كثيرة مرفوضة من أبنائهم الطلاب لا يودون تطبيق لائحة شؤون الطلاب عليهم رأفة بهم وبأولياء أمورهم، ولأجل ذلك قد يلجؤون إلى الضرب التأديبي لتقويم سلوكهم؛ بدلًا من فصلهم المؤقت أو النهائي من المدرسة أو تحويلهم إلى التعليم المسائي أو نقلهم التأديبي إلى مدرسة أخرى بعيدة عن أماكن سكنهم، فمثل هذه الإجراءات بلا ريب ستكون عبئا ثقيلا على ولي الأمر وابنه، ولكن الحقيقة المرة أنَّ الإحسان إلى كثير من الناس لا يقابل بالإحسان.

ورغم ذلك، فإنني أرى أنْ تطبَّق لائحة شؤون الطلاب بكل صرامة في حال تكرَّرت مُخالفة الطالب، أو عند ارتكابه سلوكا لا يُمكن غض الطرف عنه، بل إنَّ هناك من يرى أن عدم تطبيق لائحة شؤون الطلاب هي التي سوَّغت لكثير من الطلاب عدم انضباطهم السلوكي وانتظامهم الدراسي.

وختاما.. فإنَّ تغييب قوانين لائحة شؤون الطلاب كليا من الواقع المدرسي، وإصدار مثل تلك التعميمات التي بحثناها في مقالنا، وتداولها بين أوساط المجتمع بصورة غير لائقة، إنما يوفر لأبنائنا الطلاب بيئة خصبة لمزيدٍ من التمرد والتطاول... والله المستعان.