العدالة الاجتماعية والمساواة بين الرجل والمرأة

 

 حميد بن مسلم السعيدي

 

حقوق المرأة، المساواة بين الرجل والمرأة، العدالة الاجتماعية، مجموعة من المصطلحات الحديثة التي شغلت الشأن العام لفترة من الزمن، كونها تتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة واستحقاقات كل منهما، خاصة بعد الرؤية العالمية والهيئات الدولية التي تنطلق من منهجية قد لا تتوافق مع الكثير من الأسس الدينية والوطنية والاجتماعية، حتى أصبح الفكر الأكثر انتشاراً أنَّ المرأة مساوية للرجل في كل شيء، وقادرة على القيام بكل الأعمال والمهام والمسؤوليات التي يقوم بها الرجل، وهذا منافٍ تماماً للفطرة الإنسانية التي خلق عليها المرأة والرجل؛ فلكل منهما خواصه الجسدية والفسيولوجية والنفسية التي تُميزه عن الآخر من أجل القيام بمجموعة من المهام التي يختص بها، فالرجل قادرٌ على القيام بمهام لا تستطيع المرأة القيام بها، وكذلك أيضًا المرأة تقوم بوظائف ومهام لا يستطيع الرجل تحملها، إذن هناك اختلافات نؤمن يقين الإيمان بأنَّها مؤثرة على مدى المقدرة على القيام بالواجبات الاجتماعية والوظيفية، فكيف يمكن أن نحقق المساواة بينهما في كل شيء؟

فالكثير من الأسئلة التي يطرحها الفكر الإعلامي والبحثي اليوم، والتي تتناقض مع أحقية اعتبار أنَّ الرجل والمرأة متشابهان في كل شيء، فطالما أننا نؤمن بخلاف ذلك فإنَّ المُطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء أمر يحتاج للدراسة والتقصي، فهما ثنائيان مختلفان في كل شيء، وطالما أنَّ هناك اختلاف بينهما فلا يمكن أن نُحقق المساواة في كل شيء، فالفروقات يجب أن تراعي احتياجات كل منهما على حدة؛ ولكن الحديث حول هذه القضية قد يعتبره البعض من مُحرمات الحداثة، وأن مناقشته تُثير فكر المجتمعات الذكورية المسيطرة أو المتحكمة بكل شيء، ولكن قبل أن نصدر أحكامنا علينا قراءة الواقع الحياتي من أجل المصلحة العامة كونها أكثر بقاءً واستمرارية من المصالح الشخصية، فالمُشرع الديني وضع مجموعة من الأُطر والضوابط التي تُحدِّد تحقيق العدالة الاجتماعية بين الرجل والمرأة، واستند على أهمية الأدوار لكل منهما في بناء المُجتمعات وتشكيل اللبنات الأساسية من خلال الأسرة التي تمد المجتمع بالقوة البشرية المؤثرة، إلى جانب التركيز على طبيعة البنية الجسدية والتركيبة الفسيولوجية لكل من الرجل والمرأة، فخصَّص لكل منها احتياجاته بناءً على ذلك، بل وصاغ منظومة قانونية تضع للمرأة مكانتها واحترامها وهيبتها، وحدَّد أدوارها الرئيسية والثانوية، ووضع الإطار العام لمنظومة العلاقة الأسرية وأهميتها في بناء المُجتمعات.

لذا فإنِّ هذه الحقوق قائمة على مصطلحين رئيسيين هما المساواة والعدالة الاجتماعية، فمصطلح العدالة الاجتماعية يُعتبر الأهم في ذلك؛ كونه أكثر شمولية وعمومية وقائماً على تحقيق الاحتياجات وفقاً لمعايير مُعينة، وحتى نوضح ذلك يُمكن التطرق إلى مجموعة من الحقائق التي بدأت اليوم تؤثر على المجتمع، ونتج عنها العديد من المُشكلات والتَّحديات الاجتماعية التي أصبحت عائقاً ومؤثراً على هيكلته وبنائه، فأصبحت المرأة منافساً قوياً للرجل في الكثير من الجوانب التي بحاجة إلى مراجعة، لأنّ الرجلَ هو العُنصر الأساسي في المُجتمع يقع عليه العبء الأكبر في بناء المنظومة الاجتماعية، ويتحمل كل المسؤوليات التي يعتمد عليها في هذا البناء، في حين أنَّ المرأة تعتبر شريكاً فاعلاً ومؤثراً في تحقيق التَّكامل الاجتماعي، وكلما كانت أكثر مقدرة على القيام بواجباتها دون تأثيرات خارجية كانت أكثر فاعلية.

والنَّاظر إلى واقع المجتمعات الغربية يُدرك حجم ضعف وترهل المنظومة الاجتماعية، وتحولها لمجتمعات عجزة وغير فاعلة؛ نظراً لانخفاض نسبة المواليد وغياب الدور الأسري، وارتفاع نسبة فئة كبار السن، مما يدفعها إلى فتح المجال للهجرات من الشعوب التي ترتفع فيها نسبة فئة الشباب، لاستقطابها من أجل توفير القوة البشرية؛ لذا فالنظرة المُستقبلية يجب أن تكون حاضرة اليوم في ظل ارتفاع العديد من المُشكلات الاجتماعية في مجتمعنا والمتوقع لها أن تؤثر بقوة مستقبلاً، ومنها عزوف الشباب عن الزواج، وارتفاع نسبة العنوسة، والطلاق، والمُشكلات الأسرية، وغياب الدور الحقيقي للتربية الأسرية للأبناء، مما يُسهم في بروز إشكاليات مستقبلية تؤثر بقوة على مدى مقدرة الأسرة على القيام بدروها في بناء المجتمع.

فعندما نُحدد أنَّ الرجل معني بالدور الرئيسي فإنّه يقوم بالكثير من الأدوار المتعلقة بمسؤولياته في بناء الأسرة، فهو إذا لم يحصل على وظيفة لن يتمكن من القيام بذلك، على العكس من المرأة سواء توظفت أم لا فستتمكن من ذلك طالما وجدت الرجل المُناسب لها وهي غير معنية بتقديم الرعاية، على عكس الرجل المطالب بالرعاية الأسرية لأهله وعائلته، وهو مسؤول عنهم وعن توفير احتياجاتهم، لذا فمعيار التنافسية والأحقية بالتعليم الجامعي، أو بالتوظيف يجب أن يمر عبر العدالة وليس المساواة لأنَّ الأولويات والأهمية تفرض نفسها، أكثر من التنافسية وفقاً لمعايير التوافق بينهما، هي ذات العدالة التي يجب مراعاتها في توفير الأراضي السكنية؛ لأنّ الرجل الذي يتحمل مسؤولية بناء المنزل في حين أنّ جل النساء يتَّجهن لبيعها أو استثمارها، في حين أنَّها حددت لبناء المساكن الأسرية، لذا فاليوم نُعاني من تأخر في توفير تلك الأراضي، في حين تتَّجه الأسر إلى دفع 50% من دخلها الشهري للإيجار مما يُسبب عبئاً إضافياً لها في ظل التَّقلبات الاقتصادية الحالية، والمشكلة كان بالإمكان معالجتها بطرق أكثر جدوى من الحالية.

لذا فقضية الحقوق ليست قضية عابرة قائمة على مُطالبات منظمات وهيئات دولية، وإنِّما يجب قراءتها بدقة وفهم معانيها ومغزاها، فوجود الاختلافات دليل على الحكمة الإلهية في تنظيم الحياة، وعلى تحقيق تكامل الأدوار بين الرجل والمرأة، فدور المرأة في بناء النموذج الاجتماعي الفاعل أكبر من الرجل، ولا يُمكن التَّخلي عن تلك الأدوار بأيّ دعوى أو فكر آخر لا يتوافق مع المنطق، فهناك حقوق وواجبات اجتماعية يجب أن نقوم بها من أجل تحقيق البناء الاجتماعي لا أن نتخلى عنها بدعوى المساواة.

 

Hm.alsaidi2@gmail.com