حمد العلوي
هل فعلاً عُمان غامضة حتى لا تعرفونها أيها المثقفون والكتاب؟ وهل جربتم عليها غدراً في سابق الأعوام؟ فحق لكم عليها اليوم الكلام؟! أم ضاق بكم ذرعاً صمتها عن القيل والقال، فآثرتم اللوم على عُمان لأنها آثرت نهج الاستقالة في القرار؟ سأورد لكم بعض مقتطفات من مواقفها، لأذكركم إذا نسيتم بخطها القويم، وحتماً لم يكن لبعضكم حضور في ذلك الوقت، يوم بدأت عُمان تعلن مواقفها إلى العلن، وسأختصر بذكر بعض أحداث مرت خلال أربعين عاما مضت، ولن أوغل في التاريخ كثيراً، فهناك من يزعجهم ذكر التاريخ البعيد، هل تذكرون يوم اتفق العرب في مؤتمر بغداد على مقاطعة مصر؟ لأنّها أرادت أن تجرب مع إسرائيل طريق السلام، فكم زمجرتم وارتعدتم أيّها العرب ضد عُمان؟ لأنّها لم تكن إمّعة فاحترمت قرار مصر منفردة، فلم تقاطعها ولم تشتمها ولم تخاصمها، وإنّما أقرت لمصر بحرية اتخاذ القرار، حتى تجرب خيار السلم، وتسجل موقفاً على الأعداء، لأنّها هي كانت صاحبة قرار الحرب، فهي تعرف تمامًا معنى الحرب، وليس من يحارب مثلكم بالكلام، وكانت وجهة نظر عُمان هو الدعم للشقيقة مصر في كل الأحوال.
إذن زمجر العرب، وأرعدوا قولاً بلا مطر، وهددوا عُمان بالويل والثبور وعظائم الأمور، ولم ينتظروا بضع سنوات على قرارهم ذلك المهول، وعادوا سراً بداية ثم علناً يطلبون من عُمان أن تشفع لهم عند الرئيس المصري، لكي يعودا إلى مصر التي هجروها؛ لأنّها أعلنت الصلح عن ذاتها منفردة مع إسرائيل، وقد اكتشفنا لاحقاً إن بعضهم كانت له أحلاف سرية مع العدو، وكانوا يتآمرون على مصر وسوريا في الخفاء، ثمّ أتت حرب العراق على إيران، فاصطف العرب كلهم وراء صدام، في حرب ضروس أسموها مقدسة، وهي والله ليست كذلك، أمّا عُمان فاعتبرتها خطيئة، فوقفت منها على الحياد، وكانت تدعو الطرفين إلى وقف نزيف الدم المسلم، ولكن هيهات أن تجد أذاناً سامعة لنصحها، وبعد ثماني سنوات من تلك الحرب العبثية، كادت عُمان أن تدعو العراقيين والإيرانيين إلى مسقط، لعقد إتفاق صلح بين البلدين، ولكن كان هناك مشروع في الخفاء لتدمير الأمة، وتلك كانت بدايته.
فأطلق مسلسل المؤامرة الكبرى على الأمة، فكانت بداية المرحلة الثانية من التدمير، فافتعلت أزمة بين الكويت والعراق، الأمر الذي أدى إلى غزو العراق للكويت، فوقعت الكارثة الثانية، وهي مازالت ضمن المخطط التدميري للأمة بالطبع، واعتبرت عُمان أن تلك مصيبة أخرى حلت بالعرب، ولكنها لم تؤجج ولم تقرع طبول الحرب، بل حاولت أن تحتوي المشكلة، فحضر وزير خارجية العراق إلى عُمان، ووافق على انسحاب العراق من الكويت، ولكن بشرط أن توقف أمريكا تدخلها في المنطقة، ولأن النية كانت مبيتة على غزو العراق، لم تحصل عُمان على تعهد بعدم قيام الغزو، فهذه معلومة أذكر بها أصحاب قميص عثمان، فهم ينتخون اليوم بصدام، بعدما تآمروا على إسقاط حكمه، وتسليم العراق إلى إيران، فيزعمون أنّ إيران تتدخل في الشأن العربي، ونسوا من كان السبب في ذلك.
وحشدت الجيوش الأجنبية، وتبعتها العربية على أرض دول الخليج، وقد كان الجيش العُماني أول الداخلين إلى أرض الكويت، وقد فعل ذلك ضمن ميثاق مجلس التعاون الخليجي، ولكنه لم يشارك في غزو العراق بعد ذلك، لأنها أي "عُمان" اعتبرت إن المشكلة قد انتهت بالتحرير، وقد انسحب ما تبقى من جيش العراق من الكويت، ولكن المؤامرة كانت مستمرة ضد العراق، فجاء الغزو بحجة كاذبة فدمر العراق، وأعدم رئيسه يوم عيد الأضحى، وسرَّ بعض العرب لذلك، ظناً منهم أن في ذلك انتصارًا للأمة، وفي الواقع كان خزي وعار لها، ولم يكن أبداً انتصارا، بدليل أن العراق إلى اليوم لم ينعم بالاستقرار.
وقد اشتدت الحروب الأهلية في البلاد العربية، ولكن عُمان نأت بنفسها عنها، ودعت إلى عدم التأجيج، وإنما السعي إلى حقن الدماء العربية، ومحاولة إصلاح ذات البين، ولكن هيهات أن يُسمع لها صوت، وهذه الحروب تطحن في الأمة العربية لأكثر من خمس سنوات لحد الآن، دون أن نرى في الأفق أي حل وسط، بل ما نراه مكابرة وعنادا في تدمير الأمة بوعي أو بلا وعي، وأن هناك من بيننا من يبذل قصارى جهده لتأجيجها، وتوسعة رقعتها لتنعم إسرائيل بالأمان، وكأن الدائرة لن تدور عليه، ولم يعوا الحكمة التي تقول، بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين.
وفي سبتمبر من عام 2013م، حددت نقطة الصفر لتدمير سوريا، وإلحاقها بليبيا والعراق، وظن العرب وجامعة التفريق وتحليل الحروب أنّ الأمر سهلا، ولم يحسبوا حسابا لإيران وحلفها مع سوريا وحزب الله، ومن ورائهم روسيا والصين، فاجتمعوا في القاهرة لمباركة تدمير سوريا، وكانت لعُمان نظرة مختلفة لا تحتمل التبسيط، فدخلت بكل ثقلها السياسي والدولي، لترجئ حربا عالمية ثالثة كاد أن يشعل فتيلها، فلم يدرك الجيران إلى اليوم خطورتها، وأنها لو نشبت ستأتي على الأخضر واليابس، وستزال دولهم عن وجه الأرض، وليس سوريا وحدها، فعملت عُمان المستحيل لوقف الكارثة، وفي الجانب الآخر أسقطت روسيا أول صاروخين في البحر، انطلقا من القواعد الأمريكية في البرتغال، لتعلن بذلك جدية موقفها بمنع تدمير سوريا، فهذا ما تناقلته الأخبار لاحقا.
ثم تابعت عُمان دورها التمهيدي، لحلحلة المشاكل في المنطقة، فمهدت لمحادثات بين إيران وأمريكا والدول الغربية، فكان أن وقع اتفاق التفاهم في جنيف، وليس في مسقط لأنّ عُمان لا تسع للبهرجة الإعلاميّة، وبذلك طوي أخطر ملف في المنطقة، ألا وهو الملف النووي الإيراني، وأخرجت المنطقة من خطر العرب، لأنّ البديل عن الاتفاق كانت الحرب حتماً، وأنّ حربا بهذا المستوى لن تكون نزهة، ولن تبقي الدول المجاورة في موقف المتفرج، ولا نزهة في ربوع سويسرا، لكن هل أدرك الجيران ذلك؟ فللأسف ما زالوا يعتبون على عُمان، لأنّها بجهودها الحثيثة، وعلاقاتها الطيبة مع الدول العظمى، قد جنبت المنطقة هول الحروب.
حتى أتى الدور على اليمن، وحُشِد الحَشد للحرب، ورفضت عُمان كعادتها المشاركة، وهذا عكس حالة الكويت؛ لأنّ هناك وقع الغزو على دولة عضو في المجلس، بغض النظر عن الدوافع، أمّا هنا لم يقع فعل مشابه من اليمن على دولة عضو في المجلس، وإنّما تدخل الخليجيون لمناصرة جهة على أخرى، وكان ذلك شأن داخلي محض، ولا يفترض من دول الجوار التدخل، بل أن تسعى في الصلح بينهما، وفقط إذا طلب الطرفان ذلك، ولكن أن يطلب طرف دون الآخر، فهذا لا يكفي لخوض الحرب على بلد ليست عضواً في مجلس التعاون الخليجي، وأن تدمر البلد ويحاصر الشعب اليمني، لأكثر من عام ونصف العام.
وهنا جرب الجيران الحرب المباشرة على اليمن، فوجدوها تختلف عن الحروب بالوكالة، وهذا تماما الذي كانت تخشاه عُمان عليهم، فعُمان لها معرفة بالحروب، فحتى عهد قريب كانت تصد هجمات ضد أراضيها، والعرب لم يساعدوها بشيء في تلك الاعتداءات، وأتت المعونة من إيران غير العربية، فوقفت بحزم مع عُمان ضد المد الشيوعي على المنطقة، ولكن عندما كلفوا من الخارج ذهبوا يحاربون في أفغانستان بكل رحابة صدر، فإذا طالت الحرب اليوم في اليمن، ليس سببه موقف عُمان لكونها غير مشاركة فيها، ولا يجوز أن يُساق اللوم عليها، فمرة نلام لأننا قمنا بإسعاف جرحى الحرب، ومرات كثيرة ينسب لنا تهريب أسلحة إلى اليمن، وقد عودتكم عُمان أنّها لا تفعل إلا ما تعلن، فهي صادقة في نهجها العقلاني، وهو الضابط لنهجها السياسي، وعُمان لا تؤمن بمرجوحة السياسة، ولا تقفز من النقيض إلى النقيض، فلها نهج واحد مستقيم، فلماذا تتعبون أنفسكم بقول ما لا يعقل؟
Safeway.om@gmail.com