عيسى الرواحي
تداولت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع خلال الأسبوع المنصرم تعميم المديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة مسقط بشأن منع العقاب البدني داخل المدارس، وقد أثار هذا التعميم جدلا واسعا بين شرائح المجتمع، ومما ينبغي توضيحه أنّ هذا التعميم لا يحمل قرارًا جديدًا، وإنّما جاء تأكيدًا لما سبق من قرارات أصدرتها الوزارة بهذا الشأن، فالعقاب البدني لطلبة المدارس قد تمّ حظره منذ سنوات عدة، ولطالما سمعنا قضايا كثيرة تزج بالمعلمين في المحاكم إثر ضربهم لأبنائهم الطلاب.
وليس غريبا أن يحمل تعميم التأكيد المشار إليه لغة التهديد بعض الشيء تجاه المعلم إن استخدم العقاب البدني، فما أكثر قرارات وتعميمات التهديد غير المتوافقة مع رقي الأسلوب التي تستخدمها الوزارة ومديرياتها المختلفة تجاه الهيئات الإدارية والتدريسية بالمدارس!
وقد حمّل كثير من التربويين استياءهم على التعميم في نشره وتداوله بين أوساط شرائح المجتمع بصورة كبيرة، وتعاطي بعض وسائل الإعلام لهذا التعميم، وكأنَّ هناك خطبا جللا يستدعي كل هذه الضجة والتداولات، وفي حقيقة الأمر فإنَّ هناك ظاهرة خطيرة في واقع مؤسسات العمل المختلفة بالبلد، وهي عدم احترام أسرار المهنة وخصوصيات عمل المؤسسة من قِبل كثير من الموظفين، فبمجرد أن يصدر قرار أو تعميم يعني مؤسسة بعينها أو يعني أفرادًا محددين داخل المؤسسة، وما تحمله تلك القرارات أو التعميمات من خصوصيات لا ينبغي الاطلاع عليها؛ فإنَّه سرعان ما يتم تداولها عبر وسائل التواصل بين كافة شرائح المجتمع من خلال تصويرها عبر أجهزة الهاتف النقال داخل أروقة المكاتب، وفي أغلب الأحيان فإنَّ تداول مثل تلك القرارات لا تعني الفرد خارج المؤسسة من قريب ولا بعيد، وهذا الأمر ـ وللأسف الشديد ـ لم تسلم منه حتى المؤسسات العسكرية التي كان يجب أن تكون قراراتها وتعميماتها الخاصة بها في أقصى درجات السرية والمهنية، ولا ريب أنّ الموظف مؤتمن في وظيفته ومسؤول عن تصرفاته، وليس من أخلاق مهنته ولا من أمانة العمل أن يقوم بتصوير ونشر ما لا يسمح به.
فمثل هذا التعميم المتعلق بتأكيد منع العقاب البدني داخل المدارس كان يفترض أن يبقى بين أروقة مؤسسات وزارة التربية والتعليم ومدارسها دون الحاجة إلى تشهيره، ونشره بهذه الصورة الطافحة التي في حقيقتها تزيد الفجوة وتوسع الجفوة بين الأسرة والمدرسة وتكثر من حالات تمرد الطلاب وتطاولهم على معلميهم، وأمّا ولي الأمر فله أن يعرف حقوق ابنه من خلال اللوائح والأنظمة التي يتاح للجميع الاطلاع عليها دون الحاجة.
وعودة على بدء بشأن تعميم تأكيد منع العقاب البدني الصادر من المديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة مسقط، حيث يبين التعميم بأنَّ قانون الطفل أضحى صارمًا تجاه كل من تسوغ له نفسه ممارسة أي شكل من أشكال العنف على الطفل، وحسب وجهة نظري فإنَّ هناك تناقضا كبيرا بين إيراد هذه العبارة في التعميم وبين منع الضرب لأي مبرر كان، فالعنف تجاه الطفل مرفوض من ديننا الإسلامي الحنيف وإنسانيّتنا السوية وعاداتنا الأصيلة قبل القوانين الدولية، أمّا منع الضرب لأي سبب كان، فإنَّ الضرب الذي يكون تأديبا وزجرا فإنَّ ديننا الإسلامي الحنيف قد أقره في الكتاب العزيز والسنة النبوية، كما أقرته قوانين البلاد، فما كان ضربًا للتأديب من قبل الوالد تجاه ولده أو المعلم تجاه طالبه فإنّه لا يعد جريمة.
إنه لا خلاف لدينا ولا تعارض مع ديننا الحنيف في أننا ضد ضرب التشفي والانتقام وعدم مراعاة كرامة الطالب أثناء ضربه وتأديبه، فالضرب على الوجه ومواضع الشرف، والعقاب الذي ينتج عاهات بالجسد مرفوض من قِبل الجميع جملة وتفصيلا ومرتكبه مسؤول عن تصرفه ومحاسب عليه، كما أنّه محظور قانونا، وقبل ذلك فإنَّه منهي عنه شرعًا.
ولذا فإنَّه إن كانت كثرة الشكاوى من قبل أولياء الأمور إلى المديريات التعليمية بسبب ضرب أبنائهم، فإنّه ينبغي النظر إلى أسلوب ووسيلة العقاب البدني الذي يتم ارتكابه.
وحسب وجهة نظري فإنَّ كثرة هذه الشكاوى التي ترد إلى مكاتب الإشراف التربوي بالولايات أو المديريات التعليمية بسائر المحافظات يرجع إلى سببين رئيسين:
أولها: زيادة حالات العقاب البدني تجاه الطلاب من قِبل بعض المعلمين بطريقة لا تتوافق مع التربية وتحقيق الهدف المنشود من العقاب، كالضرب على الوجه أو العقاب المؤذي الذي تنتج عنه عاهات وأضرار واضحة بجسد الطالب، ولعلّ هذه الحالات قد شهدت تزايدًا مستمرًا في الآونة الأخيرة؛ لأسباب تدركها جيدا المديريات التعليمية. وليس دفاعا عن أحد ولا انتقادا لأحد، لكنّ الواقع الذي نعيشه في مدارسنا بشكل عام فإنَّ الضرب على الوجه ومواضع شرف الطالب، والعقاب المؤذي لا ينتهجه المعلم العماني بشكل عام.
ثانيا: الترف أو ما يسمى بالدلع الزائد الذي وصل إليه طلابنا، فقد أصبح الطالب لا يحتمل ضرب تأديب من معلمه، والأدهى من ذلك أن يضيق ولي الأمر أكثر من ابنه، فتراه يتردد على إدارة المدرسة أو مؤسساتها المعنية بحجة ضرب ابنه الذي لا يعدو ذلك العقاب أكثر من كونه تأديبا، فأين هؤلاء الآباء عندما كانوا طلابا؟! كيف كان يعاملهم أساتذتهم؟! وكيف كان يعاملهم آباؤهم؟!
إنَّ مما يؤسف له حقا أن يعترض ولي الأمر ويضيق ذرعًا بضرب التأديب على ابنه، بل يرفع شكواه على معلم ولده، وهذا بلا ريب ينذر بعواقب وخيمة على تربية الطالب وواقعه التدريسي، والأدهى من ذلك عندما يعترض ولي الأمر على المعلم ويجاهره بالخصومة والشكوى والنقد اللاذع بحضرة أبنائه، فهل سنلوم حينها الطالب عندما لا يحترم المعلم، ولا يقدر قيمة العلم؟!
إنَّ الأب الذي ينتهج هذا الأسلوب المفلس من التعامل تجاه المعلم إنّما يسيء إلى نفسه وتربية أبنائه من حيث لا يدري، وكما اعترض وخاصم المعلم على تأديب ابنه، فإنَّه قد يظل يوما ما عاجزا أن يرفع صوته أو ينتقد أبناءه في سلوكات مرفوضة، بل قد يقف خصما أمامهم إن هو حاول زجرهم أو تأديبهم بالعصا أو أي وسيلة تأديب أخرى.
إننا لا نتحدث من فراغ وشواهدنا أضحت اليوم كثيرة في تطاول الأبناء على آبائهم أثناء استدعائهم إلى إدارات المدارس بل وخارج المدارس أيضاً، وهذا بلا ريب إحدى نتائج التفكه والإساءة إلى المعلمين من قبل الآباء والمجتمع بشكل عام أمام أبنائهم.
إنّه مهما بلغ حجم خطأ المعلم ـ ولسنا ندافع عن أخطائه ـ فإنَّه لا ينبغي بحثها وطرحها ونقدها اللاذع أمام الأبناء، فهذه إساءة إلى العلم، وإلى التربية قبل الإساءة إلى المعلم.
وللحديث بقية في مقالنا القادم بإذن الله تعالى،،،