تنفيذ الخطط.. وهواجس الإفلاس

 

 

عمَّار الغزالي

تصريحٌ صادمٌ لمُحمَّد التويجري نائب وزير الاقتصاد السعودي، فجَّر جدلا واسعا على مدى الأيام الفائتة؛ حيث صرّح بشكل مباشر -خلال المقابلة التي أجراها معه برنامج "الثامنة" والمذاع على قناة "إم.بي.سي"- بأنَّ بلاده كانت على شفا "الإفلاس الحتمي" خلال ثلاث إلى أربع سنوات، على وقع التذبذب الخطير في أسعار النفط، وأنه لولا جُملة إصلاحات "جريئة" اتخذتها المملكة، فإن احتياطياتها كانت على وشك التلاشي، وقدرتها على الاقتراض كادت تضمحل. جاء التصريح بمثابة صافرة إنذار من مسؤول رسمي في حكومة أكبر دولة منتجة للخام في العالم؛ ليُثبت أن زمنًا اعتُمد فيه بشكل أساسي على "الذهب الأسود" قد ولَّى، وأنَّ المستقبل الحقيقي للاقتصاد ترسمُه الخططُ والبرامج الجادة الخاضعة للتقييم والمساءلة من مؤسسات تتمتع بالإستقلالية الإدارية والمالية.

وبالطبع، فإنَّ الأمرَ في السعودية لا يختلف في رصفائها من الدول المنتجة والمعتمدة على الخام في تقدير ميزانياتها، وربط مسارات التنمية فيها بمؤشرات أسعاره -والسلطنة واحدة منها بكل تأكيد- إذ بين عشية وضحاها وجد المنتجون أنفسهم أمام "اختبار تحدي مفاجئ" رسب فيه الجميع للأسف "بتقدير امتياز"؛ فما أغنت عنهم نسب الإنتاج، ولا حالت دون خسائرهم مُعدَّلات العائد وأسعار أسهم النفط في البورصات؛ ولم يصمُد سوى مشاريع التنويع وبرامج التحوُّل التي شهدتها الأعوام الماضية "على استحياء"؛ كعلامات تعافي "بطيئة" من أعراض مرض عُضال اصطُلح على تسميته من قبل أربعة عقود بـ"المرض الهولندي".

فتلابيب الأزمة التي باتت تخنق سواءً الاقتصاديات العالمية والعربية والخليجية بصورة عامة، واقتصادنا العُماني على وجه التحديد، باتتْ تتطلب تَوْسيع آفاق الفكر الاقتصادي بالتركيز على الحلول بعيدة المدى، والتي تحفِّز القطاعات الاقتصادية المختلفة لتحقيق نقلة نوعية في المفاهيم المرتبطة بالتنمية؛ وفق منهاج كلي يهدف لتجديد حيوية الاقتصاد؛ لتعظيم الاستفادة من ثمار ومقوِّمات ما تحقق من منجزات على مدى يقارب نصف القرن.

وإذا اختلفنا في التشخيص وحجم الإشكالية، فلنحتكم إلى مستوانا التنافسي؛ حيث سجَّل تقرير التنافسية العالمية للعام 2016، تراجع السلطنة مرتبتين إلى الوراء عن العام الماضي، وعشرين مرتبة عن العام 2014، صحيح أنَّ مُعظم الدولة العربية تراجع ترتيبها في هذا العام مقارنة بالعام السابق، إلا أنَّ ما تتوافر عليه عُمان من مقوِّمات يُثير العديد من التساؤلات لدى المهتمين حول نتائج التقرير الأخير، خصوصا وأنَّ البُعد الإستراتيجي للتنافسيَّة يفرض أن يكون هناك ترابط كلي بين المنظومة الحكومية وبرامج العمل الوطني من جهة، وبين خطط العمل التي يُفترض أن تضعها الحكومة للتعامل مع الواقع الاقتصادي من جهة أخرى، وفكرة "التراجع" في مؤشر مهم كهذا تعني أننا "نبتعد" عن مجرد حتى تبني موجِّهات تنموية مستدامة، وأنه لا يزال أمامنا الكثير مما لم يُنجز بعد في مضمار التحول الاقتصادي المكتمل، كضامن حقيقي للإفلات من كبوات اقتصادية متتالية، قد لا تُحمد عقباها مستقبلا إذا ظل "الريتم البطيء" يفرض نفسه على التعامل معها.

ولعلَّ حديثا مفصليًّا كهذا، ينسحب بالضرورة على البرنامج الوطني "تنفيذ"؛ بإيجابية أهدافه التي بلا شك لن تتحقق دون إيلائها اهتمامًا واسعاً يضمن مساهمة حقيقية للبرنامج كمورد خصب يُمكن التأسيس عليه في رحلة "صناعة الأمل"؛ وكآلية عمل تضمن تحقيق أهداف الخطة الخمسية التاسعة، وتصحيح أوجه القصور في بيئة الاقتصاد، والتغلب على العوائق التي تَحُوْل دون تحقيق أهداف التنويع والتنمية، وتعزِّز فرصَ نمو اقتصادنا الوطني، عبر حوار مجتمعي رفيع وموضوعي ومسؤول، يحقِّق قدرًا أكبر من التفاعل والالتقاء بين مُختلف الأطراف المعنية.

وقد اقتضت الحكمة السامية أن يصدُر مرسوم سامٍ تنشأ بموجبه وحدة دعم التنفيذ والمتابعة، تكون بمثابة المراقب والمحفِّز ليحقق البرنامج غاياته. ومنح الوحدة الجديدة الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري؛ هو نقطة في غاية الأهمية تعزِّز دور الوحدة والبرنامج والآمال المعقودة عليه، كما تعكس اهتمامًا ساميا بمواكبة المستجدَّات الاقتصادية، وتطلعات الدولة ممثلة في قيادته -أعزَّه الله- لإحداث حراك وتوازن تنموي يحقِّق آمال الانعتاق من أسر النفط كمصدر متقلِّب لا يضمن في المطلق تحقيق تنمية مستدامة تقوم على مرتكزات لا تزعزعها رياح الدورات الاقتصادية المتقلبة.

... إنَّ المرسوم السلطاني القاضي بإنشاء "وحدة التنفيذ والمتابعة" بلا شك يُمثل ضمانة لإنجاح برنامج "تنفيذ"؛ وفق منهجية علمية جديدة في التخطيط، والجدية في العمل على استدامة تنمية الاقتصاد الوطني، الذي بقي رهناً لعوائد صادرات النفط خلال ثماني خطط تنموية مضتْ، والتي رغم ما تمَّ خلالها من مشاريع في البنية الأساسية، لم ترقَ حتى الآن لهدف تنويع مصادر الدخل للمالية العامة للسلطنة. ونجدِّد القول مرة أخرى بأنَّ الكرة الآن باتت في ملعب الجهات المعنية بتنفيذ البرنامج وتحويله إلى واقع، مما يتطلب منهم العمل على قدم وساق لضمان ترجمة ما سيتمخَّض عن ختام مرحلته الثانية -المقرَّر لها بعد غدٍ الأربعاء- من خطوط عريضة للسير بخطط وإستراتيجيات "التنويع" في القطاعات المختلفة، بخُطى أسرع وأكثر قدرة على خدمة الوطن والمواطن، سيما في ظلِّ ما نعيشه اليوم من تبعات لن ترحم أحدًا، ولا مجال للخطأ في تداركها؛ إذ البقاء للحلول الاقتصادية الفاعلة، والتكامل الحقيقي بين مؤسسات الدولة لتحقيق الإسترايجيات الوطنية.

نعم.. إنَّه عصر "الحكومات المُلهِمة" الذي تقوم فيه الأجهزه الحكومية بدور محوري بكفاءة عالية يُشبه المايسترو الذي يقود كافة أعضاء الفريق للانسجام والتناغم لتحقيق الهدف المنشود.

 

ammaralghazali@hotmail.com