"تنفيذ".. ميلاد لتطوير الأداء الحكومي

 

 

عمَّار الغزالي

زخم إعلامي واسع تناول على مدى الأيام الماضية -بالطرح والتحليل- بُشريات المباركة السامية للمرحلة الثانية من البرنامج الوطني "تنفيذ"، فضجَّت ساحات النقاش وأُفردت العديد من الأعمدة والصفحات والبرامج، وأخرج كلُّ مُهتمٍّ ما في جُعبته للحديث عن أهمية البرنامج، والمجتمع قد عقدَ آمالاً كثيرة عليه؛ باعتباره برنامجًا مُتكاملًا ذا خطوات منهجية تعزِّز فرص التنويع الاقتصادي.

البرنامج بكل تأكيد لا غُبار عليه، بل لا يكون من المبالغة في شيء القول بأنه إستراتيجية مُحكمة، ذات أبعاد نهضوية واسعة المجال، ولكن في رأيي يبقى الهمُّ الأكبر هو آلية وكيفية تنفيذ "تنفيذ"!! إذ وكما يقول الفيلسوف الصيني لاوتسو تاتيه كينج: "إنَّ الشيء لا يكتمل بمجرد الوصول إليه، وإنما يكتمل عندما يصل إلى نهايته".

أي نعم، مُجرد وجود رؤية واضحة أو برنامج وطني كـ"تنفيذ" يبَعْث برسائل تجديد الأمل، تُخرج السلطنة من حالة المراوحة في التعامل مع القضايا الملحَّة تحت عنوان الحلول السريعة والسحرية؛ إلا أنَّ الضمانة الحقيقية تكمُن في إيجاد آلية جديدة للتعامل مع المشكلات التي باتت تمس فئات عريضة من المجتمع؛ عبر حالة من التكامل بين كافة الفاعلين الاقتصاديين. فالتجربة التنموية للسلطنة يجب أن تكوِّن دروساً حقيقية تُسهم في معرفة أين أصابت من خلال معرفة أمريْن؛ أولهما: "تناغم السلطات" جنب من أجل تحقيق الأهداف، وثانيهما: تحسين جودة الأداء الحكومي.

وما يُعقِّد رحلة البحث في المطلبين أنه لا يُمكن الوصول للأهداف المعقودة على أي خطة ما دام التركيز على حلول قصيرة المدى، دون الحلول الهيكلية التي تمس الجذور. وبالرغم مما يحظى به موضوع تطوير الأداء الحكومي من أهمية، إلا أنَّه في الوقت ذاته حديث شائك في الكثير من جوانبه؛ وبالذات تلك التي تلامس سقف المسؤولية الوطنية وقدرة الموظف أو المسؤول الحكومي على أن ينحِّي المصالح الشخصية جانبا، للاضطلاع بالأدوار المنوطة به. ولعلَّ سياقا كهذا يستدعي جُملة التوصيات التي خرجت بها ندوة "تطوير الأداء الحكومي" في العام 2012، والتي تضمَّنت تبنِّي إستراتيجية وطنية تقوم على آليات لقياس مستوى اﻹ‌نجاز والمتابعة، واستحداث أ‌طر مؤسسية وتقسيمات إ‌دارية جديدة لبناء الكفاءة وتحسين اﻹ‌نتاجية، وإعادة هندسة اﻹ‌جراءات، وتطبيق نُظم الجودة، وتأسيس ثقافة المقارنة المعيارية بين الوحدات الحكومية وضمان قيام الجهاز الحكومي ومنتسبيه بالواجبات والمسؤوليات بروح من التنافسية.

ومما يُثير الاندهاش هنا أنَّ توصيات كهذه كفيلة بإحداث نقلة نوعية في الأداء الحكومي؛ لم يُرافقها هي الأخرى جدول زمني يُمكِّن المواطن من متابعة ما تم تنفيذه وما لم يتم والصعوبات التي حالت دون تنفيذها؛ وعلى الأجهزة المعنية أن تعي أنَّ المواطن اليوم يريد شيئاً ملموساً، وجدوﻻ‌ زمنيا واضحاً.. وبلا شك، فإنَّ حديثًا عن تطوير الأداء الحكومي، يتطلب في المقابل تنمية حقيقية للكوادر البشرية، وإيجاد آليات للمحافظة على الكفاءات الوطنية واستقطابها، وبالمناسبة فقد تضمنت توصيات الندوة أيضا إستراتيجيات للتمكين وتحسين الأداء، إلا أننا للأسف ما زلنا ننادي بها إلى اليوم!!

إنَّ استمرار الوضع كما هو عليه، وعدم التوجه لإحداث تغييرات استثنائية وجذرية فيما يُطلق عليه آلية التعامل مع تنفيذ الخطط والبرامج المستقبلية، سيقود إلى الاستمرار في النهج المركزي ببيروقراطية المكاتب والترهُّل الوظيفي، الذي يتنامى بشكل تدريجي، ويُمثل خطراً على استقرار المنظومة الاقتصادية. ومن هنا، فلا يُمكن اختزال الحديث عن تطوير الأداء الحكومي في مجرد تحسين الإجراءات الداخلية للأجهزة الحكومية فحسب، فالأوضاع الراهنة تَضَعنا أمام حاجة ماسَّة لقراءة جديدة للأداء الحكومي تشخِّص تداعيات الفترات الماضية، فهل سيكتب "تنفيذ" شهادة ميلاد "أداء حكومي جديد"؟

 

ammaralghazali@hotmail.com