"تنفيذ".. لنصرع اليأس بالأمل

مرتضى بن حسن بن علي

كنت خارج البلد عندما تلقيت دعوة كريمة للاشتراك في مُختبرات "تنفيذ"، وعندما رجعت إلى مسقط كان رأي بعض من التقيت معه مترددًا ومتشككًا في جدوى المشاركة أو الحضور بناءً على واقع الماضي القريب حيث كان في اعتقاد البعض من واقع ما حصل لتلك الاجتماعات، ومنها "المؤتمر"و"الندوة" و"حلقة النقاش" و"دائرة حوار" و"ورشة عمل" وجلسات "استشارة العقول" brain storming والتي كانت مُكِلفة ولكن دون تنفيذ التوصيات الكثيرة التي صدرت ودون إيجاد مقاييس نوعية وكمية للأعمال التي نفذت ودون وجود رقابة حقيقية عليها ودون تطبيق مبدأ الثواب والعِقاب.

ورغم كل ذلك قررت مع آخرين كثيرين أن أذهب وأشارك في المختبرات لكي تتاح لي فرصة قياس نبض ودرجة حرارة تجمع وطني معني ومهموم بقضايا وطنه وسياساته ودوره في المنطقة ومستقبله في عالمه. وحين يكلف مواطن نفسه مشاق الذهاب إلى محفل عام تاركًا خلفه أعماله وملغياً برامجه الأخرى، فمعنى ذلك أنّ هذا المواطن - رجلاً أم امرأة- مشغول بما هو أكثر من شأنه الخاص، مشغول بعُمان التي تستحق من الجميع التَّضحية والعمل الجاد من أجلها. كُنت مع الآخرين من المُتفائلين بحسب التعريف الذي يقول: "إن المتفائل شخص يتعلَّق بالأمل على حساب التجربة".

الأمل يقول: فلنحاول والتجربة تقول: كفانا

كُنت متفائلاً مثل الكثيرين بنفس المعنى ... مُتعلق بالأمل على حساب التجربة. وبمعنى أدق نحاول مرة أخرى وفي ظروف دقيقة مختلفة، وعفا الله عمَّا سلف.

وربما يكون المأزق الذي يجمعنا جميعاً هو أننا إذا اخترنا أن نتخلى عن الأمل ونتعظ بالتجربة، فسوف نجد أنفسنا في موقف صعب وسط طريق خطر وفي ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد والتوتر. وهذا استهتار بالمصير لا نقدر عليه ولا نتحمله، وفوق ذلك فإنّ مسؤولية الحياة - وهي أعظم آيات الله في كونه - لا تقبل بِه ولا ترضاه.

و إذا كان قرارنا - وليس هناك بديل عنه- أن نتحمّل مسؤولية الحياة، فسيكون ضرورياً أن نبدأ مُحاولتنا الجديدة لتغليب الأمل على التجربة بالقيام بتوصيف دقيق لما نحن فيه من موقف بالغ الصعوبة في مُحيط تجتاحه العواصف والزلازل والفتن. التوصيف الدقيق والصريح للوضع الذي نحن فيه وتشخيصه ومعرفة وتحليل العوامل التي أدت إليه، ضروري جدًا لإيجاد العلاج الناجع مهما كان قاسيًا. ثُمَّ نضعه في مُتناول الجميع عبر كل الوسائل المُمكنة ولا سيما لشباب عُمان وشاباتها الذين يتطلعون إلى مستقبلٍ زاهرٍ ويشدهم الشوق لمعرفة الحقيقة بين المزاعم المتعارضة.

وهكذا يُصبح من الضروري أن تكون لدينا نقطة بداية دقيقة وموثقة بحيث لا يحق لأحدٍ أن يدور حولها أو يتجاهلها لأيّ سبب أو ادعاء، وخصوصاً أننا نجد أنفسنا في مفترق طرق تفرض علينا أن نختار بإرادتنا أو تختار لنا الظروف كيفما يكون، ولا أظن أنّ اختيارها سوف يكون في صالح ما نأمل فيه! فالوقت إذا لم نتمكن من استثماره جيدًا فلن يكون أبداً في صالحنا.

وتوصيف وتشخيص المشكلات وأسبابها وجذورها ضروري من أجل البدء في مرحلة التنفيذ الفعلية وأن تكون مختبرات "تنفيذ" حافزاً لكي نفتش في كل النواحي عن خيارات بديلة تومئ إلى مستقبل أفضل. أدرك أنَّ تنفيذ كل شيء لن يكون أمرًا سهلاً ولكن تنفيذ جزء معتبر منه سوف يكون دافعاً للغير ليُسهم أيضًا وينخرط في إجراء التغيير الضروري. النجاح وإن كان جزئيًا سوف يشكل تيارًا قويًا لإزالة العراقيل الأخرى ويكتسب قوة دفع ذاتية.

إني آمل ألا يكون الكلام الذي يُقال كلاماً ساكتاً- كما يقول التَّعبير السوداني الشائع- أي يكون تعبيراً لا يقول شيئاً ولا يدفع إلى فكر أو فعل كما أأمل ألا تتحول كثرة الكلام الناتج عن عصبية الحركة لذاتها إلى صناعة مُعلبات فيها وصفة مُستخلصة من أعشاب الفلسفة والفكر والدين والسياسة والاقتصاد والمال والتعليم والثقافة والإعلام والإعلان، معجونة ببعضها بشكل عجيب.

وإذا كان يقال في الطب إنَّ تشخيص الأمراض نصف الطريق إلى علاجها. فإنّ نفس القول ينطبق في "أمراض السياسات التنموية".

نأمل أن يتمكَّن هذا الحشد من أبناء عُمان المجتمعين في مختبرات " تنفيذ" من إعادة الفحص للتوصل إلى التشخيص السليم لكثير من مشاكلنا المتراكمة والمزمنة وألا يكون أسيراً ومتخندقاً في سالف أفكاره.

إننا في حالة وعي وقدرة طالما وبإرادتنا نبحث عن حل، ولعل تلك واحدة من الظواهر المُلفتة في طول عُمان وعرضها. ففي كل ركن منها مناقشة، وفي كل محفل فيه حوار. وكذلك في مختبرات "تنفيذ" يتردد صدى ذلك بشكل مسموع. ومعنى ذلك أن إرادة الشفاء لدينا. وكذلك إرادة الصحة، موجودتان ، إذا استطعنا التوصل إلى تشخيص سليم.

الحقيقة الآن تتبدى جلية، وهي إدراك الكثيرين أن عُمان تستحق الأفضل والأحسن وتبحث عن شيء في المُستقبل وليس في الماضي، وليست مُستسلمة لحالة من اليأس. وأملي أنّ الاستعانة بتجربة بلد مثل ماليزيا والتي تمكنت من أن تخطو خطوات كبيرة إلى الأمام، مضافة إلى وسائل العصر، مضافة إلى شحنة القلق، مضافة إلى رصيد إنساني غني، مضافة إلى قيادة رشيدة لصاحب الجلالة السلطان المُعظم -حفظه الله ورعاه- قادرة كلها في مستقبل غير بعيد أن تتحول إلى طاقة إيجابية تصرع اليأس بالأمل ولا تصرع الأمل باليأس..

لقد حان وقت التَّحول الكبير والعمل من أجله . "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. " [سورة التوبة، الآية ١٠٥].

[email protected]