نعم يوجد الأمان بيننا

 

زينب الغريبية

 

استوقفني أحد الإخوة الأكاديميين في مؤتمر خارجي ليسألني من أين أنت؟ فقلت له أنا من سلطنة عُمان، أشرقت عيناه قائلا: يكفيني شعور بالراحة أن نستشعر أنّ بلدا عربيا واحدا يعيش في أمان واستقرار، بلدا يعيش الأمن في ذاته، ويمنحه قدر استطاعته لمن يستطيع، قادني كلامه لأتأمل وضع العالم الذي يموج في قلق الاضطراب السياسي، رغم عدم الأمان الذي دائما ما يزورني ليقلقني من المستقبل في كل ما يدور حولي، إلا أنني حينها شعرت بأن الأمان يبدو نسبيا قد يستشعر وجوده من فقده تماما، وفقد معه معنى الحياة.

 

جميل أن يشعر غيرك بما تملكه ولا تستطيع استشعاره لأنّه أصبح جزءًا من حياتك، التي اعتبرتها من روتين الحياة، وتطمح لأكبر منها، والأجمل أن يخبرك به، فمقالي الأسبوع الفائت كان عن البحث عن الأمان في زمن انتشرت فيه معالم القلق لتطور الحياة وتعقدها، ولكنني عشت في عمق كلمات ذاك العربي، الذي فقد شيئا أساسيا من حياته، قد لا يستطيع إصلاحه منفردا، الأمان السياسي الداخلي من الحروب الداخلية والخارجية التي تؤرق الإنسان من أن يفقد حياته وحياة عائلته ومنزله وعمله وما يصاحبها من مقومات الحياة.

ماذا بقي بعد ذلك؟ ماذا سيصلح الإنسان لو فقد الأساس الذي سيبني عليه؟ هذا ما نقلته لي أخت يمنية بحرقة، وهي تعيش هنا في عمان في ضيافة بلدنا تحمل في كنفها أولادها وأم زوجها ويأتي زوجها لزيارتها بين فترة وأخرى، تشعر بالأمان النسبي الذي يبحث عنه كثيرون، هي تستشعره كونها فقدت معنى الأمان الحقيقي، سعيدة بوجودها مع أولادها خارجا عن مكان القصف والدمار وفقدان الحياة، هي ترى أنّها تجد الحياة ويمكن إصلاحها والبناء عليها طالما يوجد الاستقرار.

 

وجال في بالي ذاك اليوم عندما أتى أخي لزيارتي واستأذنني لساعات يخرج مع أحد أصحابه، جلست أعمل وأنا أنتظر عودته، والباب مفتوح فأنا في انتظاره، أخذني العمل ولم أشعر بالوقت وتأخر أخي بالعودة، وحين هرع من الباب كانت الساعة الرابعة فجرا، والباب مفتوح على مصراعيه دون أن أشعر بذلك، حينها عشت معنى الأمان الذي نعيش فيه.

 

وجاءني رد على مقالي السابق في بحثي عن الأمان، أنّ الأمان موجود، ونحن نعيش في ظله، فعمّا تبحثين؟ قادني كلامه للتأمل في وضع الأمان، لمَ لا تبحثين عنه؟ علك تجدينه؟ ربما لا تستطيعين رؤيته؟ بسبب القلق من تعقيدات الحياة؟ وما يتم تناقله عن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد؟ وهل هو مستقبل غامض ينتظرنا؟ أم أنّ الحياة قابلة للتغير نحو الأفضل.

يبدو أنني وصلت لمعنى الأمان أخيرًا، هو أن تعيش في مأمن عمّن يغتال وجودك، وبعدها طالما أنت على قيد الحياة، وتعيش في استقرار، تستطيع حينها أن تبني ما تريد، وتصلح ما ترغب فيه، وعلى قدر ما تقدم من جهد وتسعى له، بقدر ما تجني من النتائج الإيجابية، فلا نقف حينها في حيرة نبحث عمّن يدعم حياتنا، فنحن قادرون على دعم أنفسنا بأنفسنا، والأخذ بيد أنفسنا، والوصول إلى حيث نريد، فقط الشعور بالأمان يهيئ لنا الانطلاق.