أنَا مُقاطِع

 

سلطان بن خميس الخروصي

sultankamis@gmail.com

حينما يكتسي المُجتمع بثقافة "اطلب حقوقك برُقيِّ" يُمكن الجزم حينها بأنَّك تعيش وسط كوكبة من الوعيّ الشعبي بمختلف أطياف الفكر والثقافة المكونة للوطن، وهناك في أقصى جنوب شرق الجزيرة العربية حيث موطن الأمن والسلام والحضارة بدأنا نسمع همساتٍ تُتَمتِمُ بأنَّ من صمَّ أذنيهِ فعلينا أن نُسمِعهُ، ومن أطبق بشفتيه خرسُ اللامبالاة فلابد لنا من تقويم لسانه، ومن أُثقلت جيوبه بأموالٍ اكتُسبت دون وجه حق فحقَّ علينا قَوَامَهُ بتزكية مالِه، ففي العاشرِ من الشهر الحالي اجتمعت بناتُ أفكار شباب هذا الوطن العظيم بأن نُسمع صوتنا لمن ملأ أُذنيه بأكوام الطين بأنَّنَا هاهُنا ناطقون، وبأقوالنا حول مقاطعتِكُم فاعلون، فاليوم لا حديث يطفو على السطح إلا مُقاطعة شركات الاتصالات، ليس من باب إلقائها في مُستنقعات الرِبح والخسارة بل من أجل اجتثاثها من غيبوبة الرداءة والاستغلال الذي وُضعت فيه ورَضيت به على نفسها.

أينما يمَّمتَ وجهك خلال هذا الأسبوع فلا تسمعُ إلا تراتيل التشجيع والتحفيز للمقاطعة، وبين فَينَةٍ وأخرى يَخَالُنا بِضعُ حكواتٍ بخسارة تتوالى تتكبَّدها تلك الشركات، والسؤال الأهم من كل ما يجري أين الجهات الرسمية المعنية بالقطاع الاقتصادي حيث يُثخن المستهلكون نزيف المال في قطاع الاتصالات وهو أحد أهم الروافد الرِّيعة بالدولة؛ فلا يكادُ ينقضي شهر إلا والأرباحُ تُعانق عشرات الملايين؟، يُحكى أنّ المستهلكين صدحُوا ومنذ فترة بأنَّنا قد (هَرِمنَا) من رداءة خدمات الاتصالات وأخواتها، ومن سوء الشبكات المتعلقة بالإنترنت، ومن الأسعار الباهظة التي ينفقونها، ومن ضعف الخدمات التي تُقدَّم للعميل مُقارنة بدول الجوار بل وبدول ضعيفة جدًا في اقتصادها ومواردها مع الأخذ بعين الاعتبار الوزن الديموغرافي بين عُمان وتلك الدول الفقيرة.

 قد يُشكِّل النزيف المالي وفقد شركات الاتصالات لثقة المستهلك وارتفاع وتيرة الغضب والشحن تجاهها أمراً لا يُرضي البعض وفقاً لشماعة "تلك خسارة للوطن" لكنها رسالة المواطن البسيطة التي تُقدَّم لسيادة كُرسي المسؤول بأنَّ ما يدفعهُ الفقير، والطالب، والموظف، والباحث عن عمل لابد أن يُقابل بجودة الخدمات، والإنصاف في الأسعار بعيداً عن استحلاب جيوبهم، أو استحمار عقولهم من باب "كش ملك" أو "مجبرٌ أخاكَ لا بطل".

 وثَمة سؤال مُلحٌ نطرحهُ في السَّاحة: لماذا كُلُّ هذا السخط والثرثرة من البعض تجاه الأسلوب المدنِّي الحضاريّ الراقي الذي انتهجه المستهلكون تجاه الشركات المعنية بالاتصالات؟!، ومن جانب آخر لماذا هذا الصَّمتُ المُريب والمُخيف قبل وأثناء فترة مُمارسة المُقاطعة من الجهات العُليا بالدولة أمام إدراكهم البَيِّن حول موجة عدم الرضا التي تطفو على الساحة ونعني هنا كلا من: مجلس الشورى، وهيئة تنظيم الاتصالات، والقنوات الإعلامية من تلفزيون وإذاعات حكومية وخاصة، وبعض رجالات الدولة النافذين في القطاع الاقتصادي بالدولة؟!

ختاماً.. من الضرورة بمكان أن تُؤمن مؤسستنا الخدمية أن المستهلك لم يعد يكتفي بتوفير الخدمة أو (رائحتها) مُقابل ما يُستنزف جيبهُ من أموالٍ سخيِّة، بل من الحق والعدالة أن يحظى بجودة الخدمات ورُقيِّها وقوتها بعيداً عن أن يُمَنَّ عليه، فها هي أصوات المستهلكين من مواطنين ومُقيمين تعلو بأننا سنواصل مُقاطعتكم حتى تجوِّدوا خدماتكم، فما أنتم فاعلون؟!