أسباب الرقي الوظيفي

فيصل الكندي

أصْبَح شيئاً مألوفاً أن يخرج موظفٌ من بيته صباحاً قاصداً عمله، ولا يعود إليه إلا في المساء؛ ليقوم بواجبه المهني الذي تعود عليه منذ أكثر من 10 أعوام أو أكثر لا يلتفت لشيء آخر سوى لمسؤليته ليس هناك شيءٌ جديدٌ في طبيعة عمله، ولا هدف محدد يرسم مستقبله، كل ما في الأمر أداؤه للواجب المطلوب فحسب، ثم انتظاره للراتب، فيتحول الموظف بهذه الطريقة من كائنٍ بشري إلى رجل آلي مُبَرْمَجْ يقوم بما يُطلب منه.

إنَّ الموظفَ هو العمود الفقري لأي مؤسسة فوضع الشخص المناسب في المكان المناسب هي الطريقة الصحيحة للتطوير والإبداع والنهوض بالمؤسسة، هذا إن كان يحمل هدفاً في رأسه تتعاون معه المؤسسة في سبيل تحقيق ذلك بعدة طرق؛ من أهمها: "عملية الربط"؛ بحيث يتم ربط الموظف الجديد بآخر قديم لمدة سنتين أو أكثر حتى يأخذ منه ويستشف من خبرته ليكون بعدها قادراً على أداء المهام مثله تماماً، وخلال هذه الفترة تتم عملية المتابعة والتقييم وحل المشكلات والسلبيات وبهذه الطريقة يترقى الموظف وتستفيد منه المؤسسة الاستفادة القصوى.

لكل شيء مُفتاح ومفتاح الرقي الوظيفي "المبادرة"؛ فينبغي للموظف أن يكون مبادراً مرتفع الهمة دائم البحث عن كل جديد ودائم السؤال والاستفسار، يأخذ الخبرة من الآخرين، ويحاول إتقان مهام جديدة والبحث عن حلول للمُشكلات؛ وبالتالي سيكون محط نظر واهتمام المسؤولين؛ فيكون مؤهلا لأن يحصل على الاهتمام الخاص من حيث الترقية أو التحفيز بعكس الموظف الذي يجعل نُصْب عينيه الترقية وزيادة الراتب فحسب دون عطاء وجهد وإثبات وجود، بل وتراه يصل العمل مُتأخراً ويُغادر مبكراً وعلاقته مع المسؤولين والموظفين في أدنى مستوياتها، هذا حريٌّ به أن يضبط نفسه أولاً ويحسن صورته ويثبت وجوده ثم بعد ذلك يطالب بحقوقه.

إنَّ الاستفادة من الموظف الاستفادة الحقيقة لا تتم من طرف واحد، بل يجب على المؤسسة أن تتابع موظفيها متابعة "دقيقة" من حيث الاهتمام بالجوانب الإيجابية بتشجيعهم معنويًّا وتحفيزهم ماديًّا؛ فهذا مما يعطيهم دفعة قوية للاهتمام أكثر بمسؤولياتهم؛ وبالتالي المحصلة ستكون إيجابية كذلك لا يجب اعتبار الجوانب السلبية قنابل موقوتة يُحاسب عليها الموظف وقت الحاجة اليها، وإنما يجب التعامل معها كما يتعامل الأطباء مع المرضى؛ وذلك بالجلوس مع الموظفين والاستماع اليهم ثم البحث عن حلول للسلبيات العالقة.

يشكو الكثير من الموظفين عدم حصولهم على التحفيز والتشجيع من مؤسساتهم إن طُلب منهم المزيد من العطاء والإنتاجية، بل يعتبرون ذلك واجباً عليهم وقد يحاسبون على التقصير فيه وهذه في الحقيقة نقطة سلبية تلصق في جبين هذه المؤسسات؛ فالمتضرر الأكبر في الأخير هو المؤسسة نفسها وليس الموظفين؛ إذ لو تم تشجع هؤلاء الموظفين بأي طريقة كانت فإنهم سيبذلون أقصى ما يستطيعون للحصول على المزيد من التحفيز؛ وبالتالي تتضاعف إنتاجية المؤسسة أضعافاً مضاعفةً.

كما يجب أن نشير إلى قضية مهمة جدًّا تحدث في المؤسسات وهي قضية الدورات التدريبية فنجد في كثير من الأحيان يعطى الموظف دورةً بعيدة كل البعد عن نطاق عمله وحدود مسؤولياتِه فيعود منها بخفي حنين، وكان الأجدر أن تقوم هذه المؤسسات بعمل خطة سنوية للدورات تناسب السلم الوظيفي لكل موظف، وتدخل في نطاق عمله؛ بحيث يعود منها بشيء جديد يعود بالنفع ليس على القسم الذي يعمل فيه فقط بل على المؤسسة جمعاء.

يُعتبر العمل المؤسسي كخلية نحل يتعاون فيها الجميع لتحقيق نتائج إيجابية ينعم بثمارها الجميع، وتجدر الإشارة إلى أن الوقت الذي يقضيه الفرد في المؤسسة يفوق الوقت الذي يقضيه بين أهله لذا يجب أن تكون العلاقة بين جميع أفراد المؤسسة طيبة وقوية؛ بحيث يشكلون بيئة عمل تناسب التطلعات فالعامل النفسي قد يؤثر سلبا وإيجابا والمرء أمير نفسه، وهو من يرسم لوحة جميلة لحياته الخاصة والمهنية؛ فلون حياتك المهنية بعطائك الدائم وعلاقاتك الحسنة مع الجميع لتستفيد منها حاضراً ومستقبلاً.