المسلمون في بريطانيا

 

 

زاهر المحروقي

كانتْ بريطانيا منذ فترة طويلة ملاذاً آمناً للمسلمين؛ بسبب قوانينها والحرية التي نالوها، إلا أنَّ هناك دراسات كثيرة تحذِّر الآن من ازدياد عدد ونفوذ المسلمين هناك، وأنهم سيكونون القوة القادمة في السنوات المقبلة.

وتناولتْ بعضُ الدراسات نسبة المسلمين المتوقعة ليس في بريطانيا وحدها، بل في كلِّ الدول الأوروبية في غضون السنوات المقبلة.. مشيرة إلى أنَّ أوروبا تتعرض لموجة "الأسلمة" وبقوة، خاصةً وأن بعض المسلمين أصبحوا يتبوؤون مراكز متقدمة مثل صادق خان الذي أصبح أول مُسلم يُنتخب رئيساً لبلدية لندن، بعد تغلبه على منافسه من حزب المحافظين الذي سعى مراراً إلى الربط بين خان والتطرف. وهناك جهات كثيرة تعمل على إيقاف المد الإسلامي في أوروبا، ويأتي بعض المسلمين في مقدمة الذين يعملون في هذا الاتجاه، جهلاً منهم وتنفيذاً لمخططات لا يعلمون عنها شيئاً وإنما هم ينفذونها فقط، مثل العمليات الإرهابية سواء كانت فردية أو منظمة.

وفي الأصل، فإنَّ الخطابَ العنصريَّ في دولة مثل بريطانيا ليس حديثاً، وإنما كان مُوجَّهاً ضد المهاجرين عامة، ولكن الآن أصبح مُرَكزاً على المسلمين، لازدياد أعداد الجاليات المسلمة وامتلاكها مصالح اقتصادية في الكثير من المدن البريطانية، وكذلك لنجاح الأحزاب اليمينية في استغلال فترة ما بعد سبتمبر 2001، وتفجيرات لندن عام 2005، في حشد بسطاء وفقراء البريطانيين ضد المسلمين والإسلام بصفة عامة؛ ويشير الباحث الفلسطيني مشير الفرا أنَّ جرائم شنيعة قام بها بعض المسلمين ساعدت في موجة العداء ضدهم؛ هي -على سبيل المثال- اكتشاف ثلاث شبكات في فترة زمنية متقاربة تستدرج فتيات إنجليزيات قاصرات لبيعهن لمن يدفع؛ فاستغلت بعض الصحافة ذات التوجهات المعادية للعرب والمسلمين الحدث في تأجيج مشاعر العداء للمسلمين، بنشرها المستمر لتفاصيل القضية مع صور المتهمين المسلمين الملتحين على صفحاتها الأولى.

لا أحد يستطيع أن ينكر أن المسلمين وجدوا في الغرب فرصاً لم يجدوها في أوطانهم؛ حيث يستطيعون أن يعبروا عن أنفسهم بما لا يستطيعون أن يفعلوه في أوطانهم، ولكن بعضهم تصرف تصرفات مؤذية. وربما أن الموقف التالي فيه عبرة، إذ حكى الأخ علي بن خلفان الجابري أنه كان في بريطانيا، فقرر الطلاب إقامة شعائر صلاة العيد، فأخطروا إدارة الجامعة بذلك، فرحبت الجامعة وأخطرت الشرطة لتسهيل الشعائر وحماية المصلين، وتمت الصلاة بسلام، لكن الخطيب أنهى خطبته بدعاء الله "أن يشتت النصارى ويُجمد الدماء في عروقهم وأن يمزقهم كل ممزق، ولا يدع لهم من باقية"، وهم الذين أغلقوا الشوارع وأحاطوا بجموع المصلين يحمونهم ويسهلون لهم أداء الصلاة، وهم الذين فتحوا جامعاتهم لهم، وأعطوهم حقوقاً لا يحلمون بها في أوطانهم. لكن المفارقة هي ما حصل بعد ذلك بسنوات، حيث تم توزيع مئات المنشورات في شارع "أكسفورد" بلندن، باسم تنظيم داعش تدعوهم إلى ترك بلاد الكفر والهجرة إلى "دولة الخلافة الإسلامية".

أما الباحث مشير الفرا فيذكر أنه في مهرجان تولون الذي أقيم للترحيب بعودة الجنود البريطانيين من أفغانستان، قامت مجموعة من المتطرفين -يسمون أنفسهم "مسلمون ضد الصليبية"، بقيادة أنجم تشودري- بمهاجمة مسيرة الجنود والبصق عليهم والهتاف ضدهم وشتم من كانوا يستقبلونهم والتهديد بقتل كل من يعادي المسلمين، وقد أحدث هذا غضباً شديداً بين قطاعات كبيرة من البريطانيين، بعدها قامت المجموعة نفسُها بتنظيم مظاهرة وحرق الورود الحمراء، وهي رمز احترام البريطانيين لذكرى جنودهم الذين سقطوا في الحروب العالمية، نتج عن هذا تأسيس واحدة من أخطر المنظمات العنصرية، وهي "رابطة الدفاع الإنجليزية" التي تعلن عداءها العلني للإسلام والمسلمين وتأييدها الواضح لإسرائيل.

ولنا أن نتساءل: هل كان تشودري يستطيع أن يفعل ذلك في بلده باكستان أو في أي بلد عربي وإسلامي؟ فليس بعيداً عنا كيف كان مصير بعض المغرِّدين الذين وَصَفوا الجنود الذين قُتلوا في اليمن بأنهم ليسوا شهداء! والسؤال سيبقى قائماً: ما الذي يجعل العرب والمسلمين يتركون أوطانهم بحثاً عن حياة أفضل ثم يَعُضون اليد الممدودة لهم؟ وما هي الفائدة التي تعود للإسلام في بريطانيا -مثلاً- عندما تخرج جماعات في منطقة "تاوار هاملت" شرق لندن فيوقفون من يشرب البيرة في الشارع، يوبخونه ويهددونه بالعقاب إن فعلها ثانية في منطقتهم؟ أو ينهرون امرأة ترتدي لباساً قصيراً ويقولون لها: هذه مناطق مسلمة وممنوع أن ترتدي ملابس مثل هذه هنا؟ وآخرون يلصقون الملصقات على الجدران في الشوارع الرئيسية تقول: "هذه منطقة شريعة إسلامية، وعليك احترام هذا عند دخولك"، ناهيك عن مخالفة القانون وتحدي الشرطة بإعلاء صوت الأذان، ومطالبة مجالس المدينة بإلغاء مظاهر الاحتفال بأعياد الميلاد؛ لأن هذا يؤذي مشاعر المسلمين!

تدور أحاديث كثيرة أن من يقوم بأعمال كهذه في بريطانيا وغيرها من الدول الغربية إنما هم عملاء لأجهزة المخابرات حتى يشوهوا سمعة الإسلام ويُظهروا خطورة المسلمين مستقبلاً على أوروبا، ولكن في كل الأحوال، وسواء أكان هذا صحيحاً أم غير ذلك؛ فالثابت أن ممارسات بعض المسلمين هي التي تشوه سمعة الإسلام، وبالتالي تشكل خطورة على وجود المسلمين في الغرب، ولولا القوانين الصارمة ضد العنصرية ربما كانت معاداة المسلمين وصلت إلى عمليات قتل وإجرام ضدهم، أكثر مما هو حاصل الآن.

وقد أظهرت نتائج استطلاع أجري للشباب في بريطانيا، أن موجة كره المسلمين قد تزداد مستقبلاً إذا استمرت العمليات الإرهابية، وإذا لم يندمج المسلمون في بريطانيا مع حياة البريطانيين؛ فالاستطلاع كشف أن أكثر من ربع البريطانيين من الفئة العمرية 18 إلى 24 عاماً يعتقدون أن بلادهم ستكون أفضل حالاً من دون المسلمين. ووجد الاستطلاع الذي نشرته صحيفة "ديلي ستار" أن 44% من الشبان البريطانيين يعتقدون أنَّ المسلمين لا يتقاسمون القيم نفسها مع الشعب البريطاني، وأنَّ واحداً من كل 3 شبان بريطانيين يرى أن المسلمين لا يفعلون ما يكفي في مجتمعاتهم لمكافحة التطرف. والأهم من ذلك أن 60% من الشبان البريطانيين يعتقدون أن الرأي العام في بلادهم يحمل صورة سلبية عن المسلمين. أما عن أسباب ذلك، فيشير الاستطلاع إلى أنَّ 26% منهم، اعترفوا بأنَّ العمليات الإرهابية التي قام بها المسلمون في الخارج هي التي صاغت وجهات نظرهم حيال المسلمين، وليس وسائل الإعلام البريطانية.

لا يوجد في الأوطان العربية من يهتم ويقرأ استطلاعات كهذه؛ لأن بعض الأنظمة العربية في الأساس هي غارقة في "الإرهاب"، ولا يهمها من قريب أو بعيد أن ينتشر الإسلام وأن يكون له نفوذ في العالم، فإذا كان ربع الشباب البريطاني ممن شملهم الاستطلاع يعتقدون أن بلادهم ستكون أفضل حالاً دون المسلمين، ألا يطرح ذلك تساؤلاً: كيف ستكون حال المسلمين مستقبلاً عندما يكون هؤلاء الشباب في موقع المسؤولية؟

... إنَّ تصرفات المتطرفين لا تمُت إلى الإسلام بصلة؛ لذا فالواجب على المنظمات الإسلامية في الغرب أن تواجه هذا الفكر، وأن تحاربه علناً، وألا تسمح له بأن يتحدث باسم الإسلام، ولا أن يتغلغل في المساجد؛ لأنه فكرٌ هدَّام لا يهدف إلا إلى الضرر بالإسلام والمسلمين؛ فمن مصلحة الدين الإسلامي أن ينتشر المسلمون الحقيقيون النظيفون في كل بقاع الأرض بأخلاق الإسلام الحقيقية؛ فالأخلاق والقدوة الحسنة هما أكبر ما يدعو به الإنسان غيره. أما وقد خرج المسلمون برضاهم من ديارهم إلى ما يعتبرونها دار "الكفر"، فعليهم أن يتفاعلوا مع مجتمعاتهم التي هاجروا إليها ويكونوا فاعلين، وليس معنى هذا التخلي عن دينهم أو عاداتهم أو ثقافتهم، فلا يصح -حسب رأي الباحث مشير الفرا- "أن نعطي العنصريين الحبل الذي سيشنقون به المسلمين". ولكن وللأسف؛ فالمسلمون لم يقدموا حبلاً واحداً بل قدموا حبالاً ومقاصل إعدام كثيرة وتحت مسميات مختلفة، لوأدِ الانتشار الإسلامي في بريطانيا وغيرها، ولتشويه سمعة هذا الدين.