مسؤوليَّة اليوم الأخير

 

 

عيسى الرَّواحي

لا تزال ظاهرة غياب الطلاب في آخر يوم دراسي يسبق إجازات المناسبات حاضرة في أغلب مدارس البنين، وهذا الغياب في حقيقة الأمر ليس مجرَّد غياب عن يوم دراسي، بقدر ما هو استهتار وعدم مبالاة في طلب العلم، وعدم احترام للنظام، والذي بدوره يغرس في نفوس هؤلاء الطلاب هذه الصفة الذميمة؛ فتظل ملازمة لهم وإنْ التحقوا بركب العمل؛ فرغم أننا في بداية العام الدراسي ولم يمضِ على بدء الدراسة سوى أسبوعين فقط، وأنَّ إجازة عيد الأضحى المبارك كانت طويلة مُقارنة بإجازة الأعياد السابقة، فإنَّ ذلك لم يمنع أغلب الطلاب من غياب يوم الخميس الذي سبق إجازة عيد الأضحى المبارك.

ولا خِلَاف في أنَّ غيابَ هؤلاء الطلاب وعدم حضورهم إلى المدرسة ذلك اليوم، إنما هو مسؤولية الأسرة بالدرجة الأولى، فأين أولياء الأمور عنهم؟! ولماذا يتمُّ السماح لهم بكل سهولة ويسر بالتغيب عن حضور المدرسة دون أي سبب؟!

إنَّ مما يُؤسف له كثيرا أن يتخلى ولي الأمر عن مسؤوليته في إلزام أبنائه بالحضور إلى المدرسة، ويكون بذلك شريكا في استفحال ظواهر تربوية غير مقبولة داخل المجتمع، ولا ريب أنه لو قام كل ولي أمر بإلزام أبنائه بالذهاب إلى المدرسة في مثل هذه الأيام وما شابهها كالأيام الأخيرة من كل فصل دراسي لانقضت تماما ظاهرة تسيب الطلاب وغيابهم الجماعي.

وفي الوقت الذي كانت فيه كثير من مدارس الذكور يوم الخميس الذي سبق إجازة عيد الأضحى المبارك خاوية على عروشها من الطلاب، كان الانتظام الدراسي في مدارس الحلقة الأولى والحلقة الثانية للإناث على أكمل وجه وإلى آخر حصة دراسية، فلا غياب ولا تسيُّب ولا هروب من أسوار المدرسة وجدرانها.

وإذا كُنَّا نتحدَّث عن مسؤولية الأسرة في القضاء على هذه الظاهرة، وتحمُّل أسباب استفحالها، فإنَّ ذلك لا يلغي مسؤولية المدرسة وقيامها بواجبها في هذا الشأن، وفي حقيقة الأمر فإنَّ مسؤولية المدرسة لا تقل عن مسؤولية الأسرة، وعلينا أن نتحدَّث بكل شفافية ووضوح عما يحدث في كثير من المدارس فيما يخص غياب الطلاب في اليوم الأخير.

فغياب الطلاب في مثل هذه المناسبات قد يأتي بإشارات تلميحية وتصريحية من قبل كثير من المدرسين في المدارس؛ حيث يتمُّ تشجيعهم على الغياب، والتقليل من أهمية حضورهم، بل وعدم جدوى وفائدة حضورهم إلى المدرسة باعتباره يوما غير دراسي وإن حضروا فيه إلى المدرسة. وعلى ضوء ذلك، يجد الطلاب أنفسهم في فسحة وسعة من الأمر في غيابهم، ولا يتردَّد الطلاب حينها بالتصريح إلى آبائهم بما تلقوه من أولئك الأساتذة من تشجيعهم على الغياب، وأنه لا فارق بين الحضور والغياب ذلك اليوم؛ فحينها يتساهل ولي الأمر كثيرا في غياب أبنائه، ويرى له مبرراته.

وما يُثبت ذلك الأمر وما تقع فيه مدارس كثيرة بل أغلب المدارس -وللأسف الشديد- من تسريح الطلاب الحاضرين وعدم الاهتمام بتدريسهم، والسماح لهم بالهروب من المدرسة إن لم يكن تشجيعهم على ذلك؛ بحجة ارتفاع نسبة الغياب، وهذا في حقيقة الأمر أمر غير مقبول إطلاقا ولا مُستساغ أيضا؛ فالطالب الذي جاء إلى المدرسة، ينبغي أن ينال حظه وحقه من التعليم، ولا ينبغي أن يساوى بينه وبين الطلاب الذين تسيبوا وأهملوا ذلك اليوم وغابوا عنه، وإذا كانت المدرسة تعيب على أولياء الأمور الذين لا يلزمون أبناءهم بالحضور إلى المدرسة في مثل هذه الأيام، فأين واجبها من أولئك الطلاب الذين حضروا إلى المدرسة؟! وأين حقهم في التعلم؟! وما موقفها تجاه أولياء الأمور الذين أرسلوا أبناءهم إلى المدرسة لطلب العلم ثم لم يجدوا مبتغاهم؟! إنَّ التعلل من قبل إدارات المدارس أو المدرسين في تسريح الطلاب الحاضرين وعدم تدريسهم بكثرة غياب الطلاب اﻵخرين، وعدم رغبة الطلاب الحاضرين في التعلم ذلك اليوم حجج واهية غير مقبولة.

إنَّ من أسباب استفحال هذه الظاهرة هو غياب دور المدرسة في القيام بواجبها المنوط بها، فلو أنَّها أدت ما عليها، وجعلت اليوم الدراسي مُنتظما إلى آخر حصة دراسية، وأدَّى كل مدرس حصصه الدراسية وفق خطته التدريسية ومنهجه الدراسي مهما كان عدد الطلاب قليلا، لساعدنا بذلك على رفع نسبة حضور الطلاب في مثل هذه الأيام، وساعدنا بشكل كبير في القضاء على هذه الظاهرة، ولكن عندما يعلم الطلاب الحاضرون أنه لا تعليم، بل تسيُّب وإهمال وهروب، ولا رغبة في التعليم من قبل المعنيين به، فإنَّ ذلك بلا ريب سيكون مسوغا له ومبررا في أن يغيب لاحقا في مثل هذه الأيام التي تسبق هذه المناسبات، ويكون ذلك مسوغا لولي الأمر أيضا في السماح لأبنائه بالغياب، بل إنَّ وجود الابن في البيت خير له من الذهاب إلى المدرسة ما دام حضوره إليها لا يضيف شيئا، ويكون عرضة للهروب منها والتسكع في الشوارع والطرقات.

إنَّ على الجميع أن يقوم بدوره في القضاء على أي ظاهرة تربوية غير محمودة، وحسبي أن كل فرد يعلم دوره ويعرف واجباته ومسؤولياته، فعلى ولي الأمر أن يُلزم أبناءه بالانتظام الدراسي في جميع الأيام، وعلى المدرس أن يكون شريكا أساسيا في تحقيق أعلى درجات الانتظام الدراسي وفي جميع الأحوال، وعلى إدارة المدرسة وكافة العاملين بها أن يعطوا حق التعليم لكل طالب علم حضر إلى المدرسة مهما كانت الأسباب واﻷحوال.

وختاما.. فتحيَّة إجلال وتقدير إلى كل الآباء الذين قاموا بواجبهم تجاه أبنائهم في انتظامهم الدراسي، وتحيَّة إجلال وتقدير إلى كل المدارس وكافة العاملين بها التي حقَّقت أعلى درجات الانتظام الدراسي مع طلابها في اليوم الأخير.. والله المستعان.

issa808@moe.om