"تنفيذ".. وإدارة النجاح

 

 

حمود الطوقي

 

بمباركة سامية من لدن مَوْلانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- تُقام حاليا مبادرة "تنفيذ"، تحت إشراف مُباشر من قِبَل المجلس الأعلى التخطيط؛ ذلك أنَّ جلالته -رعاه الله- يقفُ دائماً في صفِّ المبادرات التي تصبُّ نتائجها في خدمة المصلحة العامة، وتتوخَّى مُساندة بناء شخصية الإنسان العُماني، الذي يُعتبر محورَ التنمية وهدفها الأساسي، فيُعمِّر هذا الوطن برغبته في تقديم الأفضل، بما يتوافق مع الطرق التي تُساعده على فهم المستجدات، والتفاني في تكريس وقته وجهده من أجل المساهمة في التنمية الوطنية الشاملة.

ولا شك أنَّ مُبادرة "تنفيذ" -والتي تقام حاليا بالاستفادة من التجربة الماليزية- وضعتْ الحكومة فيها الكثيرَ من المال العام؛ من أجل أن يكون الناتج عنها يتناسب مع حجم المصروف عليها؛ لأنها ربطتْ بين القطاعين الخاص والعام، ولأن جلالته -رعاه الله- يُريد لجناحي الإنتاج والتنمية أن يكون لهما دور فعَّال في المرحلة المقبلة، خاصة وأنَّ العالم يمرُّ بمنعطفات ومنحنيات غير مأمونة العواقب؛ من خلال استخدام سلاح النفط الذي يُربك الاقتصاد، ويعيق المسارات والخطط؛ لذلك جاءت "تنفيذ" لتكون مساحة مفتوحة للعصف الذهني، ودعوة الخبراء الأجانب -بمشاركة عمانية تم دعوتهم من قبل المنظمين واختيارهم للمشاركة من القطاعين الحكومي والخاص- لبناء هذا النموذج الجديد من التفكير، ولنقل المستوى المستقبلي من حال إلى حال، ليتواكب مع طوارئ التغيرات العالمية، دون أن يضر ذلك بالمسار الداخلي للدولة ومناخاتها الاقتصادية.

لقد تعوَّدنا على العديد من المبادرات -في مراحل سابقة- وكلها كانت على مستويات صخمة من الإعداد والتهيئة والزخم الإعلامي المصاحب، وكلها أنْمٓت بداخلنا الحس الوطني في كل مرة تحصل فيها مبادرة، ولكن هناك العديد من هذه المبادرات لم يُكتٓب لها التوفيق والنجاح، ولم تُكتٓب لها الاستمرارية فتوقفت، وهذا كله له أسبابه الظاهرة والباطنة؛ مما جَعل البعض منا يصل إلى مرحلة من الشعور بأنَّ بعض المبادرات لا تستقيم معها الأمور حتى تُؤتي أُكُلها، ويستفيد منها المواطن، وتتفيَّأ الأجيالُ ظلالها، وسوف نأتي على الأهم من هذه الأسباب.

يكمُن أول هذه الأسباب في نظري في كون هذه المبادرات يتم ربطها بالأشخاص، وهذا الربط له ما له، وعليه ما عليه؛ فمن المفترض أنَّ كلَّ ما هو حكومي ينبغي أن يتم ربطه بالحكومة مباشرة؛ كونها هي الداعمة والراعية والمموِّلة -إذا شئنا بالمعنى الاقتصادي- لذا لم يكن من الضرورة أن يتم بث قوة الفرد -وهي الأضعف- لإنجاح المبادرات الشبيهة، وترك الحكومة جانبا -وهي الأقوى- لهذا فإنَّ التعامل الإعلامي معها، وطرائق التنفيذ، والتعاطي مع التفاصيل، يتم لإعلاء شأن الفرد المربوطة به المبادرة، على حساب الحكومة وهي الأصل في الموضوع والمعنيَّة به؛ لذلك تأتي النتائج على غير ما سارت عليه المخططات التي أوجدت المبادرات، وسرعان ما تفشل، ثم يتم وضعها على رف النسيان، وكأنها لم تكن يوماً، وهذا يثير الأسئلة والاستغراب، لأنها مرتبطة مباشرة بالنتائج، التي لم تر النور بطبيعة الحال.

وقد فنَّدتُ في تغريدات على حسابي الشخصي في "تويتر"، أسبابَ فشل بعض المبادرات، وأحسب أنه لكي يتم تلافي ذلك نحتاج إلى جهة محايدة، يتم تكليفها بمراقبة مواقيت التنفيذ والإنهاء، ومراقبة آليات التنفيذ وأساليب التعامل معها، ومنحها الصلاحيات في التدقيق والمحاسبة بما يحقق الجودة والمصلحة العامة، كون الإنفاق يتم من المال العام، نظن أن ذلك سيحدُّ من مسار الفشل في التنفيذ، وسيضع الخطط موضع التنفيذ التراتيبي بحسب المتفق عليه زمنيا، وسيجعل المبادرة تسير -تنفيذيا- في طريق يناسب الأهداف الموضوعة من أجلها سلفا؛ للوصول إلى النتائج المُرتجاة، وهو ما نأمله على وجه الحقيقة.

... إنَّ العملَ بروح الفريق، تحت رقابة مُحايدة، تضمن الدقة في التنفيذ والالتزام بالمواقيت، سيكون له آثار إيجابية ضخمة على المبادرة ذاتها، وهذا ما نأمله على مستوى مبادرة "تنفيذ"؛ لأنَّ فشلها سيعني إخفاقا حكوميا كبيرا، وذهاب مئات الآلاف من الريالات العمانية أدراج الرياح، في ظل وضع متقلب؛ وهو ما يدعونا إلى الاحتياط لهذه المغامرة، وربط نجاحها بما نتوخى معه الخروج من تكرار المشاهد السابقة مع المبادرات الشبيهة؛ تأكيدا على ما تفضل به المقام السامي في خطابه خلال افتتاح الفترة السادسة لمجلس عمان في العام الفائت 2015م؛ حين قال: "وإننا نتطلع إلى مواصلة مسيرة النهضة المباركة، بإرادة وعزيمة أكبر، ولن يتأتى تحقيق ذلك إلا بتكاتف الجهود وتكاملها، لما فيه مصلحة الجميع".

وأخيراً.. لا نملك إلا أن نوجِّه الدعوة للجميع بمساندة هذه المبادرة، والتي نأمل أن ترى القرارات التي ستخرج عنها طريقها إلى التنفيذ، وترسم خارطة طريق للشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص.