لا تفرح كثيرا بكثرة المتابعين

د.محمد بن سعيد الشعشعي

بعد توقفنا عن الكتابة خلال موسم الخريف الضبابي لانشغالاتنا بمراسم وبرتوكولات الأعراس والمُناسبات المطولة والتي أخذت جهداً ووقتاً من حياتنا اليومية.

نواصل مسيرة الكتابة وإن كانت على عربة بطيئة، إلا أنّها ستصل إلى الهدف المنشود بإذنه تعالى وهو الخدمة العامة لما فيه خير العباد والبلاد .

اليوم تنحو بِنَا أدوات الاتِّصال الحديثة منحنى آخر من الحياة والتعامل مع البشر بدءًا من الأسرة أو العائلة، ووصولاً إلى الجمهور أو العالم الذي يستقبل الرسالة أو المضمون الاتصالي أينما كان .

هذه الهواتف والوسائط أربكت الجميع وأشغلت المؤسسات الرسمية وأثقلتها بأعباء مادية باهظة بل إنّها أجبرتها على أن تُغير في خططها وإستراتيجياتها، وأن تبدل في كوادرها وطاقاتها، وأن تستعين بمعين المعرفة والعلم والتخصص الدقيق جدًا، فهناك سيل جارف وتدفق هايل من المعلومات والتغريدات والرسائل تكتب على مدار الساعة هدفها الوصول إلى المتلقى، بل إلى البشرية عمومًا، وقد توجَّه بعض الرسائل مباشرة إلى الحكومات والدول، وفقاً لأهداف مدونيها وجنسياتهم ومبادئهم وتوجهاتهم.

في هذا الخضم المتلاطم من المعلومات، تغمرني السعادة عندما يُطالبني البعض بأن أواصل الكتابة، وتكسوني الفرحة عندما عاتبني آخرون بسبب انقطاعي عن القرّاء والمتابعين لفترة، مما أثلج صدري وأشعرني بأنّ الأسطر التي أكتبها أسبوعيًا في جريدة الروية تقرأ من أول سطر وحتى آخر سطر رغم سيل المعلومات العرم الذي أشرت له.

أدرك تمامًا بأن الإعلام التقليدي أصبح يُعاني من منافسة الإعلام التواصلي الذي أتاح لكل فرد أن يكتب ما يشاء وأن يُخاطب العالم بغض النظر عن مضمون ما يكتب أو ما يملك من المعرفة والثقافة، والأدهى والأمر أن الأغلب ينشد الشهرة ويلهث وراء كثرة المُتابعين فقد يتمسك بالطائفية لإرضاء أصحاب الملة، وآخر يتجه إلى القبلية والنعرات المناطقية ليجد سريرته ومبتغاه، وثالث يرتبط من خلال أدوات الاتصال بسلسلة من التجمعات والمنظمات الخارجية دونما يشعر بالأبعاد الخافية التي قد لا يستطيع الخروج من كماشتها بعد أن تكبل أفكاره وحتى أسلوبه في الكتابة والمشاركة، فكم من أبرياء تنظموا، وكم من فقراء استغلتهم دول أو جهات أخرى لتحقيق مآرب لها أو لزعزعت كيان بلدانهم وشعوبهم،، وهنا تكمن الخطورة الكبرى في اتصال الأبرياء والمُراهقين بعامة الكون، دون أن تعرف من الذي تتواصل معه أو دون أن تدرك من الذي تضيفه في حسابك، وما هي خلفياته والجهات التي ينتمي إليها، من هو صاحب ذلك الحساب وما كتاباته هل هو ناقد أم كاتب، مُتصوف، ملحد، متشيع، مُتشدد، مفتن، كذاب صالح، طالح ... إلخ ولَك أن تتوقع أن تضيف أو تضاف إلى ما لم يكن حتى في الحسبان وما لم يخطر على بال بشر، فمن خلال الشبكة التواصلية يتم التعامل مع أي فرد في العالم شرقًا وغربًا .

عزيزي المتصل أو المغرد لا تفرح كثيرًا إن زاد عدد متابعيك على التوتير، ولا تسعد بكثرة أصدقائك على الفيس بوك، ولا تظن أن أهميتك تزداد كلما زاد عدد المشاركين في الانستجرام، ولا تذهب بعيداً إلى أن السناب شات يمنحك الشهرة العالمية وأنت في المنزل.

فهذه الآلة الاتصالية قد تكون معول خير وبناء كما أنها آلة هدم ودمار، وذلك وفق القائم بالاتصال أي المرسل الذي تتحاور معه دون أن تعرف هويته ومبدأه ومن أين أتى وماذا يُريد، فكم من متصل أضاف متابعاً دون أن يدري انتماءه لمنظمة إرهابية عالمية، وأعرف تمام المعرفة أحد الأفراد التحق عبر الاتصال غير الواعي بمؤسسة يعتقد أنها لخدمة الإنسانية إلى أن تبين له في نهاية الأمر أنها موسسة تخريبية تمول من جهات لغرض تدمير الدول والشعوب . ولنا من الأمثله أيضًا أن مدونين غررت به هذه الآلة وفلتت ألسنتهم وأساءوا وشتموا، وغالطوا، وكذبوا، وفي النهاية أُحيلوا للقضاء، و أمسى بعضهم خلف القضبان فكل امرىء بما كسب رهين.