حميد بن مسلم السعيدي
لا أعرف متى سنتعلم أنَّ الرياضة قائمة على منهجية علمية، وأن ما توصلت إليه دول العالم من انتصارات في مختلف الأنشطة الرياضية لم يأتِ من خلال العشوائية أو الحظ والنصيب، وأنَّ الإنجازات الرياضية لا تأتي من خلال الصراعات على مقاعد رئاسة الاتحادات، وإنما من خلال المُنافسة للوصول إلى خط النهاية أو منصة التتويج، وأن اقتصاد العالم اليوم يعتمد على الرياضة كمصدر للدخل القومي للدول، وأن من حققوا الانتصارات ووصلوا إلى منصات التتويج لم يصلوا لأنهم يتملكون أجسامًا غير أجسامنا، وإنما جاء وصولهم من خلال التخطيط والدراسة العلمية والعمل الجاد من أجل تحقيق الانتصار في المحافل الدولية، فمن يعمل بجد يجني ثمار ذلك العمل، ومن يتكاسل ولا يعمل إلا قبل فترة قليلة من بدء البطولات، فهو لن يجني إلا السقوط في هاوية المتأخرين عن منصات التتويج، فهل نحن بحاجة لأن نتعلم معنى علم الرياضة واقتصاده؟
الرياضة بكافة أنواعها قائمة على الرغبة في تحقيق الانتصار، وبالرغم من أنَّها تعتمد على القوة البدنية والتركيز الذهني، إلا أنَّها لا تكتسب إلا من خلال العمل الدؤوب القائم على الرغبة الجادة في الوصول إلى منصة التتويج، وترغب مُعظم دول العالم في تحقيق الانتصار والفوز من أجل أن تصل إعلامها الوطنية إلى منصة التتويج والحصول على الألقاب الدولية وتحقيق الأرقام القياسية الجديدة، ومن خلاله تجني الكثير من المكاسب المادية والمعنوية، لذا لا ريب أن نرى أنَّ هناك مُنافسة قوية بين دول العالم، واهتماماً عالي المستوى من الرؤساء والحكام، وهذا الاهتمام دليل على أهمية الرياضة، فهي تعتبر اليوم صناعة اقتصادية قائمة بذاتها ومؤثره في الاقتصاديات العالمية على مستوى الدخل الوطني للكثير من دول العالم، لذا ما نشاهده من منافسة قوية بين الدول في المناسبات الرياضية أو في استضافة البطولات العالمية لا يأتي إلا برغبة في الحصول على العوائد المالية من الرياضة.
ويرتبط التخطيط الرياضي باقتصاد الدول المُتقدمة، وهو يهدف للحصول على موارد مالية من خلال العديد من المصادر المرتبطة بالرياضة، لذا فقد أصبحت الرياضة اليوم عملية تجارية مربحة، وأصبح الاستثمار في مجال الرياضة أحد الموارد الاقتصادية القائمة على الفكر الحديث، وتتنوع مصادر المالية للرياضة ما بين بيع الحقوق وبث المباريات، والإعلانات التجارية، واستضافة البطولات العالمية، ومبيعات تذاكر المباريات الدولية والمحلية، إلى جانب تأثيره إيجاباً على قطاع السياحة والتجارة، وعلى والاستثمار في المنتجات الرياضية المتنوعة، لذا فإنّه نشاط اقتصادي يُعتبر الاستثمار فيه مربحاً بدرجة عالية طالما اعتمد على إدارة فكرية اقتصادية متطورة، وعلى رؤية حقيقية قائمة على الجدية في العمل، لذا لا نستغرب اليوم من الأرقام المالية الضخمة العائدة من هذا القطاع، فمثلاً تعتبر العائدات الرياضة من مجال بيع حقوق بث مباريات الدوريات الأوروبية الأعلى على مستوى العالم، فقد وصلت حقوق بث دوري الأندية الإنجليزية حتى عام 2019 (خمسة مليارات يورو)، وتبلغ عائدات دوري الأندية الإسبانية (560 مليون جنيه إسترليني)، وبلغت عائدات تنظيم كأس العالم بالبرازيل 2014، (حوالي 14 مليار دولار)، أضف إلى ذلك أنَّ هذا القطاع يسهم في توفير فرص عمل للشباب في مختلف المجالات، ويتنافس رجالات الأعمال على شراء الأندية رغبة منهم في تحقيق مكاسب مادية ومعنوية، ولا يقتصر العائد المادي من الرياضة فقط، بل ويشمل قطاعات اقتصادية مُتعددة، فهناك السلع والبضائع التي تحمل رموزاً وشعارات رياضية معينة، يذهب جزء منها للأندية والبعض للمؤسسات الحاصلة على حقوق الترخيص للبيع، وهذا يدل على أنَّ الرياضة تُعد دخلاً اقتصادياً لكافة شرائح المجتمع، ولكن عندما نعكس ذلك على واقعنا نجد أنَّ الحكومة تنفق ملايين الريالات سنوياً على قطاع الرياضة، مقابل سالب العائد من ذلك الإنفاق، إلى جانب تراكم الديون بالملايين على بعض الاتحادات الرياضية، فأين نحن مما يحدث في هذا العالم؟.
هذا الأمر يدفعنا للتعجب أيضاً من أنَّ الرياضة علم قائم بذاته، وليس هواية نمارسها ونشارك من خلالها في المناسبات الدولية لرفع العلم في بداية البطولات، وليست إدارياً رغبةٌ في الحصول على المناسب والمكاسب الوظيفية والمجتمعية منها، فهي علم يعتمد على علوم متعددة أخرى ويعرف بأنّه "علم تطبيق المبادئ والأساليب العلمية بغرض تحسين الأداء الرياضي، فهو يركز على علم الأحياء البدنية، وعلى الاحتياجات الغذائية للجسم البشري، وعلى علوم الحركة وطبيعة المقدرة الجسمية للإنسان على ممارسة الرياضة وكيفية تطويرها علمياً"، لذا فإنَّ الرياضة علم وليست مهنة عابرة يمكن أن يمارسها أيَّ شخص مثل ما يحدث في عالمنا العربي، إلى جانب أنَّ هذا العلم مرتبط بكافة العلوم الأخرى، والتي لا يمكن الاستغناء عنها في سبيل تحقيق الانتصار الرياضي، لذا لا غرابة عندما تصاغ التوقعات بشأن الفرق الفائزة، أو الدول التي سوف تحصل على النصيب الأكبر من التتويج على منصة الانتصار، لأن كل شيء قائم على عمليات حسابية علمية؛ لذا فإنّه يمكن توقع النتائج وفقًا لتلك القواعد والمبادئ العلمية.
هذا الأمر يقودنا لدراسة واقعنا وممارستنا للرياضة خلال الفترة الماضية والتي خلت من الإنجازات على مستوى العالم سواء في فترات بسيطة جداً لا يُمكن أن تضاف ضمن الانتصارات الدولية العظيمة، مما يجعلنا أمام واقع بحاجة إلى التغيير والتطوير والاعتماد على الكفاءات الوطنية القادرة على بناء رؤية وطنية لقطاع الرياضة، لذا فإننا بحاجة إلى الإدارات الرياضية في اتحاداتنا التي تعتمد على الفكر الإداري والقيادي الذي يسعى إلى تطوير الرياضة في البلد اعتماد على المنهجية العلمية والتخطيط الإستراتيجي الهادف من خلال بناء مؤسسات رياضية ذات أهداف واضحة، والسعي على انتهاج القرار الإداري القادر على اختيار الكفاءات الوطنية التي تمتلك الرؤية والعلم معاً بما يمكننا غداً من رفع العلم العُماني في المحافل الدولية، فالاستمرارية بذات الفكر والمنهجية التقليدية لا يمكن أن تحقق من خلالها إلا الخسائر المادية خلال المدى البعيد، وعلينا حساب كل شيء فما يُدفع من أموال يجب أن يُسترجع إما بالانتصارات أو العائدات المالية، أو لنترك ذلك جانباً ونستغل شواطئنا في ممارسة الرياضة بعيداً عن ضوضاء المنافسات العالمية.