موسم الهجرة إلى 2016-2017

 

 

المعتصم البوسعيدي

حينما أُعيد ذاكرتي لرواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للروائي والأديب الراحل الطيب صالح؛ فإنني أعيد نفسي لمصطفى سعيد الغامض الذي لا تدري أتتعاطف معه أم تتحامل عليه؟! للراوي المجهول بين الوصاية والمسؤولية والفضول وصراع المشاعر والعواطف، للرحلةِ المُدهشةِ في الريفِ السوداني الجميل، لتصادمِ الثقافات بين الشرقِ والغرب، للسُلطةِ الذكوريةِ الجامحة، للتناقضاتِ العجيبة، للموتِ الذي أصاب "جين مورس" وجعل من "بنت محمود" تفعل فعلتها الشنيعة، للنهايةِ وباب الاحتمالات المفتوح، للسفرِ الذهني والتساؤلات بين المُقرر والقرار، بين رغبة الموت والحياة، ما أعلمه جيدًا ان الهجرة ما بين موسمين كرويين (سابق، وقادم) في الكُرةِ العُمانية ربما يحمل ذات المشاهد والصراعات والتصادم في هذه الروايةِ اللامعةِ مع الفوارق الدلالية بطبيعة الحال.

موسم كروي سابق انتهى قريبًا على وقعِ رحيل عراب "المؤسسة المتكاملة" السيد خالد بن حمد، موسم كان قد بدأ "بسوبر" لم يخرج فيه "المارد" العرباوي من فانوسه ليجد فنجاء نفسه ـ سريعًا ـ على المنصة متوشحًا بالذهب، موسم شهد عودة النصر للألقابِ من خلالِ كأس مازدا، موسم "عصفورين بحجر" لفنجاء؛ دوري المحترفين ومعادلة الرقم القياسي للزعيم الظفاري، موسم ختمه صحم "بخطف" أغلى الكؤوس من فهود الخابورة، موسم أمتزجَ بدموعِ الحُزن والفرح؛ حيثُ شهد غرق سفينة صور والمصنعة وصلالة، وتأهل الرستاق المثابر وجعلان المكافح لدوري المُحترفين لأول مرة في تاريخِهما، كما وان نادي عُمان عاد لمكانته الطبيعية بين صفوف الكبار، موسم حمل نادي بدية والسلام لدوري الأولى مع سنة أولى جميلة لنادي الوسطى، موسم منصرم عاد فيه اللغز السيباوي من جديد؛ فمع فشل الفريق الأول للعودةِ للأضواءِ كان هُناك نجاحًا مُذهلاً في المراحل السنية بالتتويج المستحق لدوري الناشئين والشباب وتحقيق ثالث الدوري الأولمبي الذي اقتنص لقبه الجار بوشر؛ حاسمًا موقعة النهائي مع نادي صور.

وعلى صعيد المنتخبات في الموسم الماضي، لبِسَ المُنتخب الأول "جلباب" السيب؛ فما بين فك ارتباط الأحمر الكبير مع الفرنسي "لوجوين" أثر الإقصاء المرير من حلمِ المونديال الروسي وتغيير الطاقم الفني والإداري، إلى سعادة غامرة حملتها منتخبات الفئات العمرية بالتربع على عرش الكُرة الخليجية، ونجاح منتخب البراعم بالحصول على المركز الأول في المهرجان الآسيوي للبراعم بقيادة احد فناني الكرة العُمانية نبيل مبارك، ثم ذاك الذهبي مُنتخب الشواطئ وقصة المجد الآسيوي الرائع ومشاركة مقبولة لحد ما في كأس العالم بالبرتغال، موسم أشرقت فيه شمس أول بطولة للكُرةِ الشاطئية على مستوى الأندية حمل كأسها نادي الشباب، دون ان ننسى التكوين الجديد للمنتخب الوطني للصالات، أما الخيبة الأكبر فكانت مشاركة أنديتنا في البطولات الخارجية التي لم تتعدى حاجز الدور الأول وما بين متهم للاتحاد والأندية تسقط أوراق التبرير عندما نرى نتائج أندية سوريا والعراق وفلسطين مع ما تعيشه هذه الدول من احتراب اهلكَ النسلَ والحرث!!

الاتحاد العُماني لكُرةِ القدم يعيش على الجانب الإداري هيكلة جيدة وبرامج فنية وتدريبية واضحة، كما ينطلق في التواصلِ من نُظم معلومات سهلت عمله وفتحت آفاق نحو تجويد العمل، ولعلَّ تدشين الاتحاد لأول منصة إلكترونية عربية في كرة القدم يُعد نجاح ملفت يستحق الإشادة، وكذا حال التسويق والشراكات التجارية والرعاة بالرغم من حاجتِنا لاشتغال أكبر على هذا الجانب؛ لما يمثله من عصب مهم وتحدي بالغ نحو تقدم الكُرة العُمانية، وفي ذات الجانب يجب الإشارة ـ أيضًا ـ لإصدارات الاتحاد السنوية والتي تُعد قيمة مرجعية مهمة أتمنى ان تُرفع إلكترونيًا لتكون متاحة للجميعِ بكل يسر وسهولة.

اليوم.. نقف على موسمِ هجرة جديدة نحو 2016-2017، ولا شك أنَّ ثمة صراعا حقيقيا في الكُرةِ العُمانية، تيارات تتجاذب أحلام عشاق "الجلد المنفوخ" نحو مصير مجهول في ظل تحديات ليست بالسهلة لكنها أيضًا ليست بالمستحيلة، حقيقة وجود شخصية قوية تركت المجال الكروي لا مناص عنها بغض النظر عن تقييم تلكم المرحلة، وهي حقيقة تلتقي مع حقيقة قدوم شخصية رياضية ذات خبرة واسعة، وأعتقد -شخصيًا- أنَّ مُجدافي القارب الذي سيصلنا إلى بر الأمان: ماضِ نستفيد منه، ومستقبل نصنعه "فكرت أنني إذا مت في تلك اللحظة فإنني أكون قد مت كما ولدت، دون إرادتي. طول حياتي لم أختر ولم أقرر. إنني أقرر الآن إنني أختار الحياة..." هكذا قال الراوي في نهاية الرواية، فماذا سيقول راوي الموسم الجديد؟!.