زاهر المحروقي
حلَّ الإعلامُ البديل محلَّ الإعلام التقليدي، وأصبح بمقدور أيِّ إنسان أن يكون إعلاميًّا له متابعوه ومريدوه. ومع نجاح وسطوة هذا الإعلام البديل، استغلته بعض الدول لتوصيل رسالتها للمتلقين؛ فانتشرت بعض المقالات والتغريدات التي تعبِّر عن سياسة تلك الدول وتوجهاتها بعيداً عن الإعلام الرسمي، (وهي خطوة تُحسب لهذه الدول، حتى وإن اختلفنا مع تلك التوجهات)، ووصل الأمر إلى إثارة الفتن والنعرات؛ لأنَّ هناك غرفاً سوداء مُخصَّصة لهذا الغرض.
ومن خلال مُتابعة بعض المقالات المنشورة في الإعلام البديل، فإننا نجد أن هناك كما كبيراً منها موجه إلى أو ضد السلطنة لأسباب كثيرة، وقد تكون المواقف العُمانية المستقلة والتي تعارضت مع مواقف الدول الخليجية سبباً لذلك، وقد تمَّ استغلال تلك المواقف لنشر مقالات وتغريدات، تناولت الشأن المحلي وتجاوزت الحدود إلى تناول المذاهب والتقسيمات الإدارية وغيرها من الشؤون، إلا أنه لا ينبغي الاستهانة بما يأتي في هذا الإعلام؛ لأنَّ عندما يزيد الكذب ويصبح عادة، مع غياب الحقيقة عن الناس أو الرد المُفند لتلك الأكاذيب، فهذا كفيل بأن يجعل الكذب صدقاً، وهذا ما عناه جوزيف جوبلز وزير الدعاية النازي، عندما أطلق شعاره الشهير "اكذب حتى يصدقك الناس"، وهو الذي يُعتبر أسطورة في مجال الحرب النفسية، وأبرز من وظفوا وسائل الإعلام، رغم أنه كان -كما وُصف- "صاحب الكذب الممنهج والمبرمج، يعتمد الترويج لمنهج النازية وتطلعاتها، ويهدف لتحطيم الخصوم من الجانب الآخر". وقد أثبت جوبلز -منذ فترة مبكرة- أنَّ الذي يملك وسائل الإعلام ويعرف كيف يستغلها، يملك القول الفصل في الحروب الباردة والساخنة، وغالباً ما يكون النصر حليفه.
وفي ظنِّي أنَّ هناك من يستغل الآن الإعلام استغلالاً كثيفاً لفرض حقيقة أو واقع معين في عُمان، لكثرة المقالات والتغريدات التي تتناول الشأن العُماني لدرجة الكذب والبهتان. ففي الحروب الحديثة لم تعد الدول تستخدم الجيوش النظامية الضخمة لشن الحرب، بل تستخدم أسلحة أخرى، كالحروب الاقتصادية والمالية والمعلوماتية...وغيرها، حتى يتخلخل الوضع الداخلي تماماً ثم يكون دور الجيوش النظامية فيما بعد دوراً ثانويًّا، وقد رأينا -مثلاً- كيف فشلت الحرب ضد اليمن حتى الآن؛ لأنَّ الاعتمادَ كان كليًّا على الجيوش، إلا أنَّ إعلاماً يمنيًّا حربيًّا قدم الكثير من التقارير التليفزيونية عن الصمود اليمني وعن الضحايا الأبرياء من النساء والأطفال، رغم الفارق في موازين القوى، كما رأينا كيف أثبتت التظاهرة المليونية في ميدان السبعين في صنعاء زيف الادعاءات التي تقول إن اليمنيين يؤيدون التحالف وأنصاره.
وفي كتابه "حروب مواقع التواصل الاجتماعي"، يصف إيهاب خليفة منسق وحدة متابعة التطورات التكنولوجية بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، يصف الحروب التي تعتمد على مواقع التواصل، بأنها "أصبحت أحد أركان الحروب الحديثة، بما تتميَّز به من خصائص مثل تغيير الخصوم، والأهداف، والأسلحة المستخدمة، وكذلك الفاعلين الرئيسيين في الحرب؛ حيث لا تستهدف هذه الحرب تحقيق نصر عسكري، بقدر ما تستهدف تحقيق نصر سياسي معنوي، يستهدف كسر الإرادة، ورفع تكلفة الخصم باستمراره في صد هذه الهجمات بشكل يسيء إلى صورته التقليدية المحفورة في الأذهان، ويخصم من رصيده المجتمعي لدى الأفراد، ويُنفِّر منه التابعين له".
وفي الواقع، هذا تعريفٌ شامل لنوعية الحروب التي تُشن الآن عبر مواقع التواصل المختلفة، والحال ينطبق علينا في عُمان تماماً، وهذا يستوجب أن يكون هناك رد مماثل من النوعية نفسها، وفي رأيي أن ما يُكتب عن عُمان من مقالات وتغريدات، غالباً ما يكون ممنهجاً ومدروساً بعناية، ولا يُخفى هدفه، ولكن ما أراه غالباً من ردود عُمانية على ما يُنشر من أكاذيب وافتراءات، فإن الجبين يندى له، فإما أن تكون الردود عاطفية إنشائية خالية من أي منطق وبالتالي لا تكون مؤثرة، أو تكون انفعالية ضررها أكبر من نفعها، بمعنى أنَّ أمر الرد على تلك الافتراءات كما يبدو متروك لعامة الناس فقط، دون أن تكون هناك "كتائب إلكترونية" مُؤَهَّلة للرد المنطقي والسليم المبني على حقائق؛ أما عن التغني بالماضي والتاريخ، فقد أصبحت المسألة مُكرَّرة ومملة، وكأن ذلك فخٌ قد نُصب لنا لكي ننسى الحاضر ونهمل المستقبل.
ولكن بعد كل ذلك نسأل: هل يستطيع الباطل أن ينتصر على الحق؟! نعم يستطيع الباطل أن ينتصر، خاصة في مجال المعلومات، إذا كان الباطل يملك أدوات يستطيع من خلالها أن يعرض باطله ويصل إلى الناس، وإذا كان أصحاب الحق لا يستطيعون أن يعرضوا ما عندهم ويصلوا إلى الناس، وربما هذا مُشَاهدٌ الآن عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع البديلة عن الإعلام الرسمي والتي تُنفق عليها بعض الدول مبالغ طائلة، لتقول هذه المواقع ما لا تستطيع المواقع الرسمية قوله؛ فالنصر في أي ميدان له أسبابه وشروطه، فلا يكفي أن يجلس صاحب الحق ويقول إن الحق معه وإن الله لا بد أن ينصره، دون أن يتخذ الأسباب، ولعل د.مصطفى محمود قد شرح ذلك، عندما قال: "إذا غرق مؤمن وكافر في البحر، فلن ينجو إلا من تعلم السباحة؛ فالله لا يحابي الجهلاء؛ فالمسلم الجاهل سيغرق والكافر الذي يجيد السباحة سينجو"، وبالتأكيد فإنَّ هذا عدل؛ لذا علينا أن نتخذ كل أسباب النجاح، وأن لا نعيش على مخدر اسمه دعاء الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- لعُمان وأهلها ونتواكل عليه، وعلى خدعة عبارة "الأمور طيبة"، وعلى تخدير التاريخ حتى نتفاجأ في لحظة من الزمن أننا كنا نعيش في الأوهام، وأنَّ كل تلك المواد لم تكن إلا تخديراً موضعياً ومؤقتاً.