صوت المواطن الغائب

 

 

مسعود الحمداني

 

يكادُ يكون الكثير من القرارات الحكومية، قرارات مكتبية، تقترح وتصادق على المقترح، وتعرضه على (المجتمعين)، فيصبح قرارا وزاريا أو حكوميا نافذا بـ"الإجماع"!

هذا الوضع الذي يستند في أحيان كثيرة إلى قُصُور في الرؤية، نراه ونسمعه في مشاريع تخبَّطت، وأخرى ألغيت، وثالثة فشلت، ورابعة تعثَّرت؛ فبعض المسؤولين لا يرون الأمور إلا من زاويتهم هم، وهي عادة ما تكون زاوية غير مُكتملة، ولا ترى المشهد كاملا وواضحا؛ فهي تعتمد على تقارير قد تكون ميدانية، وقد تكون نظرية، وهي في كل الأحوال رؤى تنظر إلى الأوضاع من زواياها التخصصية الأحادية الجانب.

فالمواطن الذي هو صاحب الشأن الأول، والذي تُصاغ القرارات لأجله وتعمل الحكومة لصالحه غائب عن هذه القرارات، لا صَوْت له، ولا صورة، وفي كل يوم نسمع أو نرى قرارا يجرّب على المواطن وجهة نظره، وقراره الشخصي، وزاوية رؤيته، وبعد أن يتم التطبيق ويفشل المقترح، يعود المسؤولون ليجتمعوا ويصدروا قرارا آخر قد يكون مناقضا لسابقه، وقد يصدرون قرارا ثالثا، ورابعا، إلى أن يثبت الأمر، وتتحقق "الرؤية" الشرعية!

قد يقول قائل إنَّ مُمثلي الشعب موجودون تحت قبّة "مجلس الشورى"، وهم من ينوبون عنه في القرارات، وهذا صحيح؛ فالأعضاء هم ممثلو الشعب، ولكنهم ليسوا الصوت الوحيد العاقل، والذي يرى الأمور من زاوية المصلحة العامة؛ فهناك الكثيرُ من الوسائل التي يُمكن إشراك المواطن مباشرة في صُنع القرارات من خلالها كوسائل التواصل الاجتماعي، أو من خلال استفتاء يُشارك فيه المختصون وأصحاب الشأن، أو من خلال إنشاء (هيئة أو مؤسسة تُعنى بالرأي العام) تقوم بمساندة القرارات المصيرية التي تخص حياة المواطن المباشرة، ويُسهم فيها المواطنون برأيهم، ليصبحوا جزءًا فاعلاً في صُنع القرار، وليسوا مجرد متلقِّين له، أو حقل تجارب لمزاجات واقتراحات بعض المسؤولين.

... إنَّ المواطن في كلِّ مكان هو حَجَر الزاوية، ومحرِّك التنمية؛ لذلك فصوته مهم، وإشراكه المباشر في صُنع القرار قد حان، والسلطنة -ولله الحمد- لا تنقصها الكوادر العاقلة، والناضجة، والمتعلِّمة، وصاحبة الخبرة التي تستطيع أن تدلي برأيها، وتوجِّه بوصلة التنمية، وتعدِّل القرارات التي تراها في صالحها، وبذلك يتحقق أمران؛ الأول: أن نصنع من المواطن فردا مؤثرا، وإيجابيا، ومتحاورا مع قراراته التي تتعلق بحياته ومصيره، والثاني: إخراج الحكومة من الحرج الذي تقع فيه، حين يظهر للنور قرار مكتبي غير مدروس، ومتعجِّل يرى الأمور من زاوية الوصاية والسلطة التقليدية التي تعتقد أنها تعرف مصلجة الوطن والمواطن أكثر من غيرها.

إنَّ المقترحات، ووجهات النظر، والأفكار التي يطرحها المسؤولون أحيانا في جلسات العشاء، أو في المكاتب ليست بالضرورة قابلة للتطبيق، ولا يعني ذلك أن تتحوَّل إلى قرارات حكومية أو وزارية مُلزِمة في اليوم التالي للاجتماع؛ فهناك خطوات كثيرة تسبق القرار والتي قد يكون بذرتها فكرة، تتحول إلى قرار ولكن بعد دراسة ميدانية وتطبيقية متأنية -وليست نظرية فقط- تتجرَّد من النتائج المسبقة التي يبني عليها المشرّع، أو المسؤول قراره.

Samawat2004@live.com