إدارة الأزمات

 

فايزة الكلبانية

"الأزمات" مصطلح نكاد نتداوله بشكل اعتيادي على صعيد حياتنا اليومية، وما نواجهه فيها من تحديات، مما قد يترتب عليها من تبعات قد تكون لها أضرار كبيرة أو بسيطة، ولكننا نظل في حيرة وبحث عن حلول مقترحة للخروج من هذه الأزمات، وقد تمر علينا أزمات في الأسعار أو الكهرباء أو المياه أو علاقاتنا الشخصية أو سوق العمل أو في تعاملاتنا المتداولة مع الأطراف الأخرى والأمثلة كثيرة، ولكننا نتفق على أهمية أن نصل إلى حل صائب وحكيم للتحكم في هذه الأزمات والخروج بأقل خسائر تذكر وذلك من منطلق حرصنا على "إدارة الأزمات".

وفي المقابل قد تأخد هذه "الأزمات" حيزا أكبر، فتتوالى على العالم على مدار العام، العديد من الأزمات والتحديات المتباينة بين السياسية والاقتصادية والعلمية والمناخية والثقافية والدينية، حيث لا يخفى على المتابعين والمهتمين ما لهذه الأحداث من أزمات وآثار في سجل تاريخ مختلف الشعوب والدول سواء كانت آثارها إيجابية أو سلبية، أي أنها تشكل عوامل هدم أو بناء للدولة، ومما لا يختلف عليه اثنان ما تعانيه دول العالم كافة من تبعات لانخفاض أسعار النفط، وأزمات وتحديات اقتصادية، إلى جانب تلك التحديات الأمنية والسياسية والحروب المدمرة بين الدول، كل هذه الأحداث تجعلنا نعيد النظر بضرورة الاهتمام بما يسمى بــ "علم إدارة الأزمات".

وقد كثرت مؤخرًا الدراسات والبحوث التي تتحدث وتتفاعل مع هذا الجانب، حيث إن المطلع على هذا الجانب والمتعمّق فيه يدرك أنه تم استخدام مصطلح "إدارة الأزمة" لأول مرة في مجال العلاقات السياسية الدولية؛ ففي عام 1962 عندما نشبت أزمة الصواريخ السوفيتية على الأراضي الكوبية، والتي تسببت في تفاقم العلاقات بين موسكو وواشنطن إلى حد تلويح الرئيس الأمريكي جون كينيدي بحرب عالمية ثالثة. لكنّ الأزمة انتهت بموافقة الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف على تفكيك تلك الصواريخ مقابل تعهد أمريكي بعدم غزو كوبا، حينها قال ماكنمارا وزير دفاع الولايات المتحدة آنذاك لقد انتهى عصر(الاستراتيجية) وبدأ عصر جديد يمكن أن نطلق عليه عصر "إدارة الأزمات".

ربما يرى البعض أنّ هناك قصورا في خططنا الخمسيّة الحالية وما قد مضى منها في التخطيط الدقيق والإعداد الجيد لمواجهة الأزمات المحتملة التي تهدد المجتمع، والتي قد تم تنفيذ بعض من بنودها ومضامينها، وتمّ ترحيل البعض الآخر منها للسنة القادمة. ف

من هنا فإنّ التخطيط الجيد لإدارة مثل هذه الأزمات التي يشهدها واقعنا اليوم يصبح حاجة ملحة، ولابد من أن يتم تفعيل هذا البرنامج كمنهج من مناهج مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة، ومما لاشك فيه أن الجهات المعنية بالخطط الخمسية لابد وأن تكون واضعة في اعتبارها ضرورة تحديد المسؤول عن قيادة فريق إدارة الأزمات، وتحديد الموارد البشرية والمادية والفنية اللازمة والضرورية لتنفيذ خطة مواجهة الأزمة، وتحديد طرق توفير وتوصيل المعلومات والبيانات، وضمان وجود نظام فعّال للاتصال بالأطراف المعنية الداخلية والخارجية، ووضع سيناريوهات للأزمة (أسوأ وأفضل سيناريو) والتدريب على الخطة الموضوعة وتقييم عملية التدريب لإحداث التعديلات اللازمة وغيرها من المتطلبات.

وبما أنّ "الأزمات" عادة تأتي بشكل تدريجي ولكن غير متوقع ضخامة تأثيراتها، فتضع العالم أمام واقع مربك يتطلب سرعة اتخاد القرار في كيفية إدارة هذه الأزمات والتغلب عليها بطرق وأدوات علمية وعملية، وعوامل نجاح إدارة أي فريق للأزمات يعتمد على مدى إمكانية الجهة على التعرف بمشكلاتها وتحليلها، ولابد من جعل "إدارة الأزمات" جزءًا أساسيًا في التخطيط الاستراتيجي للمؤسسة، في هذا الوقت نحن في حاجة ماسة إلى المزيد من التوعية، وتنظيم الدورات التدريبية وورش العمل للموظفين أو العاملين في مجال إدارة الأزمات وطرق التعامل معها.

 

faiza@alroya.info