"سندباد الرؤية" وعناق السحاب

سالم الكثيري

في وسط عالم يموج باللهو ويركن إلى الدعة والعيش في الشكليات والقوالب الجاهزة ويبتعد رويدا رويدا عن العقل والتفكير المنطقي، اخترقت قافلة السندباد ضباب الخريف محملة بأجمل القصص، ومختلف الكتب والمجلات التي تستهدف الطفل لتكون مشاركتها في مهرجان صلالة من نوع آخر سعيًا منها إلى إضافة فكرة أو قيمة تنويرية للمهرجان علها تنير ولو بعض الضوء في درب أبنائنا المليء بالسطحيّات والضبابية، حيث بدأت أولى فعالياتها في ميدان المهرجان بصلالة لتنتقل بعدها في مختلف ولايات المحافظة متوجهة إلى الأماكن الأكثر ارتيادا من قبل السياح والزائرين بهدف استفادة أكبر عدد من الأطفال.

مبادرة الرؤية هذه وإن كانت مبتكرة إلا أنّها ليست بالأمر السهل. فأن تختار الكتاب كمشروع حياة في وقت يولي السواد الأعظم له ظهره، ويولون وجوههم شطر مشاريع المال والأعمال والربح المادي السريع أمر يحمل الكثير من التحديات والمصاعب. ولذا فعلى كل من يقرر السير على هذه الطريق أن يتحمّل مشاقها وعقباتها وذلك أنّ الطموح في معانقة السحاب والرقي بالفكر والسعي للوصول إلى قمم الجبال العالية يحتاج الكثير من الجهد المقرون بالصبر وليس هناك من وجهة نظري من يستحق أن يمنح وسام الصبر هذه الأيام أفضل من أولئك الذين يجعلون من الكتاب بضاعتهم ومتاعهم ويكون هدفهم النهوض بمجتمعاتهم علميا وفكريا وثقافيا بدلا من النهوض بجيوبهم كما يفعل معظمنا. إنّ تبني الكتاب في زماننا هذا يعد ضربا من المغامرة وذلك لما يواجهه من عزوف على مختلف المستويات الرسمية والمجتمعية والفردية وللمنافسة الشديدة للتقنيات الحديثة والتي لم يوظفها الوطن العربي بما يحقق المكسب والفائدة المرجوة ثقافيًا وعلميا، ومع هذا فإنّ عشق الكتاب يؤدي بك في النهاية إلى القمة وإن طال الزمن. فالأمم التي لازمته قراءة وكتابة وتعليما هي التي تسيدت العالم ونالت قصب السبق في شتى الميادين بينما لا تزال الشعوب التي تركت الكتاب خلفها تعيش متخلفة في ذيل القائمة وقد قال الشاعر قديما:

ومن لا يحب صعود الجبال

يعش أبد الدهر بين الحفر

وعودا على بدء فإن قافلة السندباد هذه تختلف عن غيرها من القوافل التي تقصد الخريف تماما، فبينما تتجه الكثير منها للسياحة والترفيه وجني المال؛ تنفرد هي بالسعي لنشر العلم والمعرفة وتأصيل حب القراءة في عقول النشء؛ في محاولة منها لخلق قاعدة للمجتمع القارئ وبناء جيل واع متعقل مدرك لمفهوم الحياة، فنحن لن نصنع جيلا يحب الكتاب ويقرأه إلا إذا أسسنا له القاعدة المتينة الصلبة بالتركيز على الطفل الذي سيصبح في يوم من الأيام المجتمع بحد ذاته. هو مشروع مجهد وطويل المدى، وبحاجة إلى تضافر الجهود وقد لا تتحقق نتائجه في المنظور القريب إلا أنّ من اتخذه كخط وهدف في الحياة سيجد نفسه، وقد ساهم في انتشال مجتمعه ووطنه من حفر التخلف ليعانق السحاب على قمم العلم. فالشكر لجريدة الرؤية على هذه المبادرة الرائدة والشكر لشركة صلالة للميثانول على دعمها المباشر لهذه المكتبة المتنقلة وأدعوا أولياء الأمور للاستفادة من هذه القافلة العلمية، ودعمها في الوقت ذاته بحضور فعاليتها في مختلف المواقع السياحية في المحافظة واصطحاب أطفالهم لغرس أهميّة الكتاب في مستقبلهم ومستقبل أوطانهم.